[ بحث في حديث ] أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال أبو داود في سننه [ 3179 ] :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِىُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ ثَوْبَانَ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أُتِىَ بِدَابَّةٍ وَهُوَ مَعَ الْجَنَازَةِ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا .
فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِىَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ لَهُ
فَقَالَ إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَمْشِى فَلَمْ أَكُنْ لأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ فَلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْتُ.اهـ

أقول : هذا إسناد رجاله ثقات لكنه معلول , وأبو سلمة عن ثوبان لا يجيء
قال ابن أبي حاتم في العلل [1078 ] :
وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ ؛ رواهُ عبدُ الرّزّاقِ ، عن مَعْمَرٍ ، عن يحيى بنِ أبِي كثِيرٍ ، عن أبِي سلمة ، عن ثوبان ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أنّهُ كان فِي جِنازةٍ فأُتِي بِدابّةٍ ، فأبى أن يركبها ، فلمّا انصرف أُتِي بِدابّةٍ ، فركِب ، فقال لهُ الّذِي أتاهُ بِالدّابّةِ أوّلا : أنزل فِي شيءٌ ؟ قال : لا ، ولكِن لم أكُن لأركب ، والملائِكةُ يمشُون.
قال أبِي : هذا حدِيثٌ خطأٌ ، ليس الحدِيثُ مِن حدِيثِ أبِي سلمة بنِ عَبدِ الرّحمنِ ، وأبُو سلمة عن ثوبان لا يجِيءُ ، إِنّما هذا حدِيثٌ يروِيهِ أبُو سلامٍ ، عن ثوبان.
ويحيى بنُ أبِي كثِيرٍ يروِي عن زيدِ بنِ سلامٍ ، عن جدِّهِ أبِي سلامٍ ، فيُحتملُ أن يكُون أخذهُ عن زيدٍ ، عن أبِي سلامٍ ، عن ثوبان ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
وأسقط زيدًا مِن الوسطِ ، أو لم يحفظ عنهُ .
ولا أعلمُ روى أبُو سلمة عن ثوبان إِلاَّ حدِيثًا ، يروِيهِ أبُو سعدٍ البقّالُ ، وهُو حدِيثٌ مُنكرٌ عن أبِي سلمة ، عن ثوبان ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.اهـ

وقال البزار في مسنده المعلل [4191] :
حَدَّثنا الحسين بن مهدي ، قَال : حَدَّثنا عَبد الرَّزَّاق ، قَال : حَدَّثنا مَعْمَر ، عَن يَحيى بن أبي كثير ، عَن أبي سلمة بن عَبد الرَّحمَن ، عَن ثوبان ، رَضِي الله عنه :
قال بينما رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم يشيع جنازة إذ أتاه رجل بدابه ليركبها فأبي فلما دليت الجنازة أتاه رجل آخر بدابة فركبها فلقيه الأول فقال يا رَسولَ اللهِ عرضت عليك دابتي لتركبها فأبيت وعرض عليك فلان دابته فركبتها قال : إنك عرضت علي دابتك والملائكة تشيع الجنازة ولم أكن لأركب والملائكة تمشي أما إنك لو عرضتها بعد ما دفنت لركبتها.
وهذا الحديث لاَ نعلمُهُ يُرْوَى بهذا اللفظ إلاَّ عن ثوبان بهذا الإسناد ، وهُو حسن الإسناد ، ولاَ نَعْلَمُ كلامه جاء به أحد غيره بإسناد متصل.
وقد رَواه عامر بن يساف ، عَن يَحيى بن أبي كثير مرسلاً لم يقل ، عَن أبي سلمة ، ولاَ ثوبان ومعمر أثبت من عامر بن يساف.
[4192 ] : حَدَّثنا بِشْر بن معاذ ، قَال : حَدَّثنا عامر بن يساف ، عَن يَحيى بن أبي كثير عن النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم ، بنحوه ولم يسنده..اهـ

أقول : رواية عامر بن يساف أشبه من الرواية الموصولة فيما يظهر من خلال البحث خصوصاً مع قول أبي حاتم : أبو سلمة عن ثوبان لا يجيء أي أنه خطأ لا يعرف في الأسانيد مثله , والله أعلم

وعامر هذا فيه ضعف وضعفه جداً ابن عدي وابن معين في رواية
وقال أبو داود : ليس به بأس وقال أبو حاتم : صالح
وقال ابن معين في رواية : ثقة
وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي مع ضعفه يكتب حديثه .اهـ

وهناك تباعد قطري بين أبي سلمة وثوبان فالأول مدني والآخر ذهب إلى حمص ومات هناك , وهذا مظنة انقطاع

والمحفوظ عن ثوبان موقوفاً عليه

قال الترمذي في جامعه [ 1012 ] :
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا، فَقَالَ: أَلاَ تَسْتَحْيُونَ إِنَّ مَلاَئِكَةَ اللهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ.
وَفِي البَاب عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ.
حَدِيثُ ثَوْبَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَوْقُوفًا, قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَوْقُوفُ مِنْهُ أَصَحُّ.اهـ

وقال البيهقي في الكبرى [6854 ] :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنبأ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنبأ مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ ثَوْبَانَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَيَّعَ جِنَازَةً، فَأُتِيَ بِدَابَّةٍ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَهَا، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ:
إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي فَلَمْ أَكُنْ لِأَرْكَبُ وَهُمْ يَمْشُونَ فَلَمَّا ذَهَبُوا أَوْ قَالَ عَرَجُوا رَكِبْتُ .
[6855 ] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَبُو عُتْبَةَ، ثنا بَقِيَّةُ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ خَرَجَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا خُرُوجًا عَلَى دَوَابِّهِمْ رُكْبَانًا فَقَالَ لَهُمْ ثَوْبَانُ:
أَلَا تَسْتَحْيُونَ؟ مَلَائِكَةُ اللهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ رُكْبَانٌ .
هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَوْقُوفٌ .
وَقَدْ: رَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا، فَقَالَ:
أَلَا تَسْتَحْيُونَ؟ إِنَّ مَلَائِكَةَ اللهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ فَذَكَرَهُ.
 وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عِيسَى. وَرَوَاهُ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ مَوْقُوفًا، عَنْ ثَوْبَانَ
وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ وَكَذَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ .اهـ

وقال ابن أبي شيبة [11372 ] حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ ثَوْرٍ ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً رَاكِبًا فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ فَجَعَلَ يَكْبَحُهَا ، وَقَالَ : تَرْكَبُ وَعِبَادُ اللهِ يَمْشُونَ.اهـ

أقول : والموقوف أيضاً فيه إشكال , فراشد ابن سعد لم يسمع من ثوبان
نص على ذلك الإمام أحمد
وقال في التهذيب أن أبا حاتم قال ذلك أيضاً والذي في كتاب المراسيل ينقله عن أحمد فقط
وقال في التهذيب أن الحربي أيضاً قال ذلك ولم أقف عليه , الله أعلم .
وقال ابن حجر في التلخيص عن خبر آخر [ 1 / 281 ] : طَرِيقِ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ .اهـ

على أني وقفت على إسناد يصرح فيه بالسماع فلعله وهم أو يكون سمع منه خبراً واحداً لم يسمع غيره

والذي يظهر لي والله أعلم أن الرواية الموقوفة أشبه وأن حديث السنن خطأ وبعدة قرائن

[ 1 ] : أنه قول أبي حاتم والبخاري والبيهقي أن الوجه المحفوظ هو راشد بن سعد عن ثوبان موقوفاً عليه .
[ 2 ] : أن الرواية الموصولة لا تجيء - أبو سلمة عن ثوبان - وهذا إسناد لا يحفظ فيه حديث فهذه مظنة خطأ .
[ 3 ] : أن الخبر قد حفظ موقوفاً على ثوبان وقد يحتمل عنه مثل هذا فينظر ما ورد في الباب  .

والخلاصة  أن المرفوع لا يصح وهو خطأ , والموقوف من ناحية إسنادية مرسل فينظر ما في الباب ويرجح هل يحتمل أم لا  , والله أعلم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |