ما جاء في أدعية الاستفتاح في الصلاة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال شيخ الإسلام في شرح عمدة الفقة باب صفة الصلاة :

مسألة: ثم يقول: [ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ, وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ] .

لا يختلف المذهب أن استحباب الاستفتاح في صلاة الفريضة والنافلة بعد التكبير, فبأيها استفتح فحسن.
وقد جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنواع عديدة, لكن عامتها إنما كان يستفتح به النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل في النوافل, فبأيها استفتح فحسن.
وإنما استحببنا هذا الاستفتاح على غيره, لوجوه:

أحدهما: أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه:
فروى أبو سعيد الخدري قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ, وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ, وَلاَ إِلَهَ غَيْرَكَ» رواه الخمسة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ, وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ, وَلاَ إِلَهَ غَيْرَكَ» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني.
وعن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ثم يقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ, وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ, وَلاَ إِلَهَ غَيْرَكَ» رواه الدارقطني بإسنادٍ جيدٍ وروي أيضاً عن [ابن] عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم, والمشهور أنه عن عمر. ورواه الطبراني في «الدعاء» من حديث ابن مسعود وعبد الله بن عمر
والحكم بن عمير اليماني, وفي رواية له: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول: «إذا قمتم إلى الصلاة فقولوا: سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك وتعالى جدك, ولا إله غيرك, وإن لم تزيدوا على التكبير [أجزأكم]».
وهذا أمر منه ولم يجيء في الاستفتاح الأمر إلا في هذا.
ورواه النجاد من حديث جابر وابن مسعودٍ.

الثاني: أنه يختاره عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, قال الترمذي: عليه العمل عند الصحابة والتابعين. وروى سعيد عن أبي بكر
الصديق رضي الله عنه أنه كان يستفتح بذلك, وكان أبو بكر أشبه الناس صلاة برسول الله, وهو مشهور عن عمر, رواه مسلم في «الصحيح» عن عبد الله: أن عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ, وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ, وَ لاَ إِلَهَ غَيْرَكَ». ليسمعنا ذلك ويعلمنا, وعلى هذا الوجه اعتمد أحمد لوجوه:
أحدها: أن عامة الاستفتاحات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي في النوافل.

الثاني: أن هذا جهر عمر به في الفريضة؛ ليعلمه الناس بحضرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, ولم ينكروه عليه, وهو إنما يعلم الناس سنة النبي صلى الله عليه وسلم, ولا شيء يختاره لنفسه, وكذلك أقره الناس على ذلك ولم ينكره عليه أحد, بل قد روى الدارقطني عن عثمان مثل ذلك, وروى [ابن] المنذر عن ابن مسعودٍ مثل ذلك, وإذا كان الخلفاء الراشدون على ذلك علم أنه المسنونغالباً.

الثالث: ما روى سعيد بن منصور وغيره عن الضحاك في قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} قال: حين تقوم إلى الصلاة, قال: تقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ, وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ, وَلاَ إِلَهَ غَيْرَكَ» وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيء في صلاته: «لاَ تَتِمُّ صَلاَةٌ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ, ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ اللهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ, وَيَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» رواه أبو داود والنسائي. فالافتتاح بهذا أشبه بامتثال الأمر في الكتاب والسنة.

الرابع: أن أفضل الكلام بعد القرآن أربع, وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر, فاستفتح الصلاة بالتكبير
وضم إليها سبحانك اللهم وبحمدك ولا إله غيرك فقد أتى بمعنى هذه الكلمات, وضم إليها: تبارك اسمك وتعالى جدك, والجدّ هو العظمة والكبرياء, وهو الأمثل الأعلى في السماوات والأرض.
فإذا انضم إلى الباقيات الصالحات أسماؤه سبحانه وصفاته, فقد حصل الثناء في جميع الجهات.

الخامس: إن هذه الكلمات كلها في القرآن أمراً وثناءً, والذكر الموافق للقرآن أفضل من غيره, أما التكبير فقال: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} وأما التسبيح والتحميد فقال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ» يتأول هذه الآية, فعلم أن قول العبد: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ» يكون امتثالاً لها, وكذلك قوله: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} , {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}. وأما التبريك فقال: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. وأما التعلية فقال تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} وأما التهليل فكثير.

السادس: أن هذا ثناء محض على الله وما سواه؛ إما إخبار عن الحال التي هو فيها, أو دعاء ومسألة, والثناء على الله أفضل منهما, وكذلك اختير التسبيح في الركوع والسجود, على قول العبد: لك سجدت, وعلى الدعاء.

السابع: أن ما سواه فيه طول ينافي ما يشرع في المكتوبة من التخفيف, وكذلك من يختاره من العلماء لا يختار جميعه, فكأن الذكر المعمول بجميعه [أولى] من الذكر المعمول ببعضه, ولهذا والله أعلم كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما يقول غالباً في قيام الليل؛لطوله.

الثامن: أنه قد ثبت أن هذا مسنون في المكتوبة, وغيره مما يختاره بعض العلماء إنما روي أنه كان في النافلة.
والأفضل أن يقول «ولا إله» بفتح الهاء وإن قالها بالضم
والتنوين جاز, قال ابن عقيل: وهو أفضل؛ لأن التنوين حرفان يعيد في الصلاة. والمذهب أن الفتح أفضل؛ لأنه هو اللغة الغالبة التي يقرأ بها, وإن ضمها ففيه خلاف [من النحاة العامة] , وكذلك جاءت ألفاظ الأذان وغيره في قولنا: لا إله إلا الله, ولأن معناها أكمل وأتم لأنها .... .

وأما سائر أنواع الاستفتاح, فمنها: ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلاَةِ سَكَتَ هُنَيْئَةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, أرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ, مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ, اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا تُنَقِّي الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ, اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» متفق عليه. وهذا صريح في المكتوبة.
قال أحمد: ما أحسن حديث أبي هريرة في الاستفتاح.
ولعله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بهذا أحياناً, أو كان يقوله بعد: سبحانك اللهم, كما كان يقوله في الاعتدال عن الركوع بعد التحميد, كما نذكر إن شاء الله.

ومنها: ما رواه علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ, إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ, اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ, أَنْتَ رَبِّي, وَأَنَا عَبْدُكَ, ظَلَمْتُ نَفْسِي, وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي, فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعاَ, إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ, [وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ, لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ, وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا, لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ] , لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ, وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ وَأَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ, تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ, أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي, والترمذي وصححه, وفي رواية لأبي داود «أَنَّهُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ» وروى بعض ذلك أيضاً من حديث جابر ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر, وفي قال أحمد: حديث جبير بن مطعمٍ يدل على صلاة الليل, وحديث أبي هريرة يدل على صلاة النهار.
وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الصَّفِّ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, فَدَخَلَ فِي الصَّلاَةِ ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا, وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيراً, وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. فَرَفَعَ الْقَوْمُ رُءُوسَهُمْ وَاسْتَنْكَرُوا الرَّجُلَ وَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ هَذَا الْعَالِي الصَّوْتَ» فَقَالُوا: هُوَ هَذَا, فَقَالَ: «وَاللهِ رَأَيْتُ كَلاَمَكَ يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ حَتَّى فُتِحَ لَهُ بَابٌ فَيَدْخُلَ فِيهِ» رواه سعيد وأبو نعيم, وروى من حديث وائل بن حجر وعبد الله بن عمر: فَجَاءَ رَجُلٌ فَدَخَلَ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا, وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيراً,
وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَاحِبُ الْكَلِمَاتِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ, مَا أَرَدْتُ بِهِنَّ إلاَّ خَيْراً. قَالَ: «لَقَدِ رَأَيْتُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ فُتِحَتْ لَهُنَّ فَما تَنَاهَن دُونَ الْعَرْشِ» رواه أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الجبار عن أبيه.

وعن عبد الله بن عمرو: أنه كان إذا افتتح الصلاة قال: «الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً, وسبحان الله بكرةً وأصيلاً, اللهم اجعلك أحبَّ وأحسن شيء إليَّ وأخشى شيء عندي» رواه سعيد وأبو نعيم.

ومن ذلك: ما روى [أبو العباس]: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ, وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ, وَلَكَ الْحَقُّ أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ, وَوَعْدُكَ الْحَقُّ, وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ, وَالْجَنَّةُ حَقٌّ, وَالنَّارُ حَقٌّ, وَالسَّاعَةُ حَقٌّ, وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ, اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ, وَبِكَ آمَنْتُ, وَعَلَيْكَ
تَوَكَّلْتُ, وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ, وَبِكَ خَاصَمْتُ, وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ, فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ, وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ, أَنْتَ [الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ -أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ-]» رواه الجماعة. وفي رواية لأبي داود: «كَانَ فِي التَّهَجُّدِ يَقُولُ بَعْدَ مَا يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ».

ومن ذلك ما روت عائشة: أَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ, عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ, أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ, اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ, إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» رواه الجماعة إلا البخاري. وفي رواية لأحمد وأبي داود: «كَانَ إِذَا قَامَ كَبَّرَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ» الحديث.

ومن ذلك: ما روي عن عائشة رضي الله عنها: أنها سُئلت: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَسْتَفْتِحُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِيَامَ اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: «كَانَ إِذَا قَامَ
كَبَّرَ عَشْرًا, وَحَمِدَ اللهَ عَشْرًا, وَسَبَّحَ عَشْرًا, وَهَلَّلَ عَشْرًا, وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا, وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أحمد وأبو داود.

ومن ذلك: ما روى حذيفة: «اللهُ أَكْبَرُ, ذُو الْمُلْكِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ والْكِبْرِيَاءِ والْعَظَمَةِ» رواه أبو نعيم. وفي رواية: «إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ, ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ والْكِبْرِيَاءِ والْعَظَمَةِ» رواه أبو نعيم, فهذه الاستفتاحات مستحبة في النافلة, كما جاءت بها السنة, ولا بأس بها في الفرض, بل الاستفتاح بها حسن, نص عليه في غير موضعٍ,

قال في رواية منصور: أنا أذهب إلى حديث عمر [وإن قال] كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم, فليس به بأس, وعامةِ ما قال في صلاة الليل.

وقال: ما أحسن حديث أبي هريرة في الافتتاح. وقال في حديث جبير بن مطعم: ما أدفع من ذهب إليه وقال في رواية ابن
الحارث: اذهب إلى ما روي عن عمر, ولو أن رجلاً استفتح ببعض ما روي من الاستفتاح كان حسناً.
فقد نص على جواز الجميع واستحسانه, مع تفضيل استفتاح عمر, وقد قال أيضاً: اذهب في الصلاة إلى افتتاح عمر,
قيل له: فهذه الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال: ترى أن افتتاح النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت عنه أنه في التطوع إلا حديث عائشة, وقال في رواية أبي القاسم: ما يروى من تلك الأحاديث إنما هي عندي في صلاة التطوع.
قال القاضي: فإذا ثبت أنها كانت في نوافل الليل لم يستحب فعلها في صلاة الفرض؛ لأنها لو كانت مستحبة فيها لَخَصَّ بها النفل دون الفرض, وهذا كالدعاء في الركوع والسجود, فلم يكره في الفرض دون النفل, على إحدى الروايتين, وكالقنوت فإنه مشروع في النفل دون الفرض, والصحيح الصريح هو الرواية الأولى, وأن ذلك جميعه حسن في الفرض أيضاً, لأن حديث أبي هريرة صريح أنه كان في الفريضة, وحديث [علي] قد روي فيه أنه كان في الفريضة, وحديث جبير قد روى ابن أبي
أوفى نحوه في الفريضة؛ لأن الرجل الذي افتتح الفريضة بقوله: «اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذا جاء رجل وقد حفزه النفس وقال: «اللهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ» فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ قَالَ: «أَيُّكُمِ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟» فَأَرَمَّ الْقَوْمُ, فَقَالُواْ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا, فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ, جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهُنَّ, فقَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا».

وفي رواية ابن إبراهيم وقد سُئل عن الرجل يقول: الله أكبر كبيراً, فقال: ما سمعت [بقول]: الله أكبر سبحانك. قال القاضي: فإن قال الله أكبر وأجل وأعظم أو قال: الله أكبر كبيراً أو قال: الله أكبر من كل شيء, انعقدت صلاته ولم تستحب هذه الزيادة, بل تكره, وقال الآمدي وغيره: لا تستحب ولم يصفها بكراهة.

والصحيح أن قوله: الله أكبر كبيراً, لا يكره, بل هو حسن وإنْ كان غيره أفضل منه بخلاف قوله: [الله] أكبر من كل شيء, ونحوه, فإنه غير مأمور به, قال القاضي والآمدي: وهذا يدل على أنه لا تستحب الزيادة على التكبير في صلاة الفرض.انتهى كلامه رحمه الله تعالى
هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم




جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |