بحث في حديث [مَنْ تَخَطَّى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتُّخِذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ ]


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                   
قال الإمام أحمد [15609 ] :
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَحَسَنٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ زَبَّانَ، قَالَ حَسَنٌ فِي حَدِيثِهِ: حَدَّثَنَا زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ تَخَطَّى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتُّخِذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ .

أقول : ابن لهيعة ضعيف مدلس ذكره ابن حجر في المرتبة السادسة , وقد اختلط , ويتلقن أيضاً .
وزبان بن فائد : ضعيف وضعفه بعضهم جداً :
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : أحاديثه مناكير .
و قال أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن يحيى بن معين : شيخ ضعيف .
و قال أبو حاتم : صالح .
و قال ابن حبان : منكر الحديث جداً ، يتفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة ، لا يحتج به .
و قال الساجى : عنده مناكير .
وذكره العقيلي وابن الجوزي وابن شاهين في الضعفاء
قلت : نص ابن حبان عن نكارة حديثة جداً عن سهل بن معاذ وهذا منها .
 وقد قال ابن حبان في الثقات في ترجمة سهل بْن معَاذ بْن أنس الْجُهَنِيّ : يروي عَن أَبِيه روى عَنهُ يزِيد بْن أَبِي حبيب وزبان بْن فائد عداده فِي أهل مصر لَا يعْتَبر حَدِيثه مَا كَانَ من رِوَايَة زبان بْن فائد عَنهُ . اهـ
وقال البغوي في شرح السنة بعد أن ساق بإسناده حديثنا هذا :
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قَبْلِ حِفْظِهِ.
وَزَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا , يَنْفَرِدُ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ بِنُسْخَةٍ، كَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ.اهـ
قلت : يقصد العمل عليه كراهية الفعل لا تصحيح الحديث بذلك فتنبه .
فلا يصلح هذا في الشواهد والمتابعات البته .
واخرجه الترمذي في جامعه [ 513 ] : من طريق رشيدين بن سعد عن زبان به وقال غريب
ورشدين ضعيف جداً على الصحيح , بل ويحتمل أن ابن لهيعة أخذ الحديث منه ودلسه وهذا وارد .
فتبين لك أن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف جداً لا يصلح في الشواهد والمتابعات أصلاً .

وذكروا له شاهداً عند ابن عساكر , قال ابن عساكر في تاريخ دمشق [ 45 /408 ] :
وأنا أبو الحسن بن رزقوية نا أبو العباس عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن حماد العسكري إملاء في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة نا أيوب بن سليمان الصفدي
نا أبو اليمان نا أرطأة بن المنذر عن عبد الله بن رزيق الألهاني عن عمرو بن الأسود العنسي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :
لا تأكل متكئا ولا على غربا ولا تتخذن من المسجد مصلى لا يصلى إلا فيه ولا تخطى رقاب الناس يوم الجمعة فيجعلك الله لهم جسرا يوم القيامة .
هنا تنبيهات قبل البدء في بحث الحديث :
( 1) هذا الحديث الآن أصل في تحريم هذا الفعل , وهذا أمر من أوامر النبي الخاصة بيوم الجمعة , فلو كان هذا الخبر ثابتا  عنه صلى الله عليه وسلم لوجدته في عدد من مصادر الإسلام – أعني بهذا اللفظ – وكون الفقهاء يفتون به فقد يستدلون بأمور أخرى كفعل جماعة من التابعين أو الصحابة , وهناك أحاديث أخرى في الباب ليس بهذه الصراحة , وقد تتبعت مظان الحديث في الكتب كالكتب الستة والمصنفات فلم أجد ذكراً لهذا الحديث , فهذا الحديث منكر غريب جداً

( 2) لفظ الحديث – أعني حديث ابن عساكر - : [ ولا تخطى رقاب الناس يوم الجمعة فيجعلك الله لهم جسرا يوم القيامة ]
ولفظ حديث السنن  [ مَنْ تَخَطَّى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتُّخِذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ ]
فهناك فرق باللفظ

الكلام على رجال الإسناد :

ابن زرقويه وثقه الخطيب , وابن حماد العسكري وثقه الدارقطني .
أيوب بن سليمان الصفدي , خطأ وهو الصغدي بالغين , وهو ثقه ترجم له الخطيب ووثقه
أبو اليمان هو الحكم بن نافع ثقة من شيوخ الإمام أحمد .
وأرطأة بن المنذر ثقة معروف .
وعبد الله بن رزيق – وقيل زريق – وقيل أبي عبد الله رزيق قاله أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر، والبخاري، وأبو حاتم , والخطيب , ومال إليه الألباني في بحثه في الصحيحة , وهو الصواب إن شاء الله .
قال أبو زرعة عنه : لا بأس به
و ذكره ابن حبان فى كتاب الثقات
و ذكره في الضعفاء وقال : يتفرد بالأشياء التى لا تشبه حديث الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج بخبره إلا عند الوفاق . اهـ
وعمرو بن الأسود ثقة مخضرم .
وهذا الخبر منكر وقد استنكره ابن حبان في المجروحين في ترجمة رزيق , وكذلك صنع الذهبي في ميزانه
قلت وقد وقفت على ما يؤكد نكارة هذا الخبر من وجهين
أولاً :
قال الطبراني في الأوسط [ 33 ] : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ قَالَ: نا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: نا أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا تَأْكُلْ مُتَّكِئًا، وَلَا تَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .
لَمْ يُرْوَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. تَفَرَّدَ بِهِ: أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ .اهـ
فذكره من غير زيادات .
وقد روى هذا الخبر أئمة أثبات أوثق من هؤلاء فجعلوه من كلام عمرو بن الأسود وهو الصواب بلا شك
قال الدولابي في الكنى [ 1427 ] :
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ رُزَيْقٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْأَسْوَدِ:
لَا تَخَطَّيَنَّ رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيَجْعَلَكَ اللَّهُ لَهُمْ جِسْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
أحمد بن شعيب هو أبو عبد الرحمن النسائي الحافظ صاحب السنن ثبت , وعلى بن حجر ثقة حافظ ويروي شيخين اسمهما إسماعيل هما إسماعيل بن عليه وإسماعيل بن جعفر وكلاهما ثبت
وهذا أشبه , والدولابي وإن تكلم فيه فهذه الرواية تدل على أنه حفظ ولم يسلك الجادة , , والله أعلم
فلا يصح الحديث بهذه الألفاظ بوجه من الوجوه .

 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |