بيان كذب من نسب للإمام أحمد عدم تكفيره لكثير من القائلين بخلق القرآن وعذرهم والترحم عليهم لأبي سعيد الرادسي



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
أما بعد :

فهذا جمع يسير في بيان كذب من نسب للإمام أحمد رحمة الله عليه عدم تكفيره لكثير من القائلين بخلق القرآن وعذرهم بالجهل والترحم عليهم .
وإن كان الأمر لا يستحق ردا مطولا عليه , فيكفينا تحديه بأن يأتي بنقل واحد عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل يعذر فيه كثيرا من القائلين بخلق القرآن أو يؤصل لذلك أو نقولا عدة عنه رحمه الله عذر في كل منها قائلا بخلق القرآن بجهله أو ترحم عليه إن كان ميتا فيجتمع بذلك عدد لا بأس به من المعذورين يستطيع بهم القائل أن يحتج لدعواه .
 فإن لم يستطع -ولن يستطيع فدون ذلك خرط القتاد- بان كذبه وادعاءه على أبي عبد الله الكذب والزور , ولكن بما أن هذا المقال ليس موجها لهذا الكاذب فهو ومن على شاكلته قوم خصمون بل هو موجه لشباب المسلمين الذين لا يعلمون خطورة هذا الكلام فسنناقش هذه الدعوى نقاشا علميا يسيرا يتمثل في نقاط :
ذكر النقول الكثيرة عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة في تكفير القائلين بخلق القرآن بأعيانهم وبيان أنهم لم يعذروا ولم يفصلوا في أي حكم منهم بين الجاهل وغيره مع شدة الحاجة إلى ذلك
ذكر المسائل التي فصل فيها الأئمة بين الجاهل والعالم أو القادر على الفهم من العاجز عنه لبيان أن القول بخلق القرآن لو كان منها لفصل الأئمة فيه كما فصلوا في غيره ليعلم أن القول بخلق القرآن مما لا مجال للعذر بالجهل فيه
ذكر أمثلة على تكفير الأئمة لمعينين لا يكونون إلا عواما جهالا ودون أي استفصال منهم
ذكر النقول عن أئمة السنة في بيان أن القائلين بخلق القرآن أكفر من اليهود والنصارى وأن القول بخلق القرآن كفر غليظ بيّن أشد من مقالات اليهود والنصارى .
 ويلزم بهذا عدم عذر القائلين بخلق القرآن بالجهل وإلا فسيلزم عاذرهم أن يعذر اليهود والنصارى بالجهل وهذا لا يقوله أحد
وأسأل الله أن يرزقني الإخلاص والتوفيق فيما أكتب وأن ينفع به المسلمين إنه سميع مجيب
الفصل الأول
لن أذكر في هذا الفصل إلا الآثار عن الأئمة التي لا تحتمل إلا تكفير الأعيان كي لا يقال إنما هذا تكفير بالعموم , فإذا عرف ذلك ولم يوجد عن الأئمة تفصيل وعذر للقائل بخلق القرآن بجهله حملت بقية الآثار التي ظاهرها التكفير المطلق على تكفير الأعيان أيضا وعلم أن هذا الإعذار بدعة وضلالة
قال عبد الله في السنة [ 9 ] : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ نُعَيْمٍ السِّجِسْتَانِيُّ الْبَابِيُّ ثِقَةٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ، يَقُولُ:
الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ.
وهذا ظاهر جدا أنه في تكفير أعيانهم إذ أنه ذكر الصلاة خلفهم وهذا أمر متعلق بالأعيان .

وقال عبد الله أيضا [ 10 ]:
 حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ خَارِجَةَ، يَقُولُ:
 الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ بَلِّغُوا نِسَاءَهُمْ أَنَّهُنَّ طَوَالِقُ، وَأَنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَلَا تَشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، ثُمَّ تَلَا {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}  إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}  وَهَلْ يَكُونُ الِاسْتِوَاءُ إِلَّا بِجُلُوسٍ .
وهذا أوضح من سابقه إذ أنه ذكر أن نساء الجهمية منهم طوالق وذكر عيادة مرضاهم وشهود جنائزهم وهي أمور متعلقة بالأعيان , ولا يعترض على هذا الكلام بأن قائله خارجة بن مصعب وأنه متهم في الحديث فإنه لم يذكر ببدعة وعبد الله بن أحمد روى هذا الكلام مقرا له وهو على سمت كلام الأئمة ولم يأت بشيء جديد وإثبات الجلوس لله ثابت في أثر عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب رحمه الله وعليه إجماع السلف فلا يشغبن مشغب
وقال عبد الله أيضا [ 12 ]:  حَدَّثَنِي شَيْخٌ، لَنَا بَصْرِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ:
 مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ حَلَالُ الدَّمِ .
وقال [ 25 ]:  حَدَّثَنِي غِيَاثُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ:
 الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَنْ قَالَ: مَخْلُوقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ .
لم يذكر بن عيينة رحمه الله تكفير من لم يكفر إلا لأنه يتكلم على معين .

وقال [ 26 ]:  حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُحْرِزِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جُنَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ:
مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يُصْلَبَ عَلَى ذُبَابٍ يَعْنِي جَبَلًا.
الصلب لا يكون إلا لمعين .

وقال [ 27 ]:  حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ السِّمْسَارُ، وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: أَعْرِفُهُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، قَالَ:
 كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَسَأَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ كَانَ مَعَنَا فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي الْجَهْمِيَّةِ يُصَلَّى خَلْفَهُمْ؟
 قَالَ الْفَضْلُ ثُمَّ اشْتَغَلْتُ أُكَلِّمُ إِنْسَانًا بِشَيْءٍ فَلَمْ أفْهَمْ مَا رَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ إِدْرِيسَ فَقُلْتُ لِلَّذِي سَأَلَهُ: مَا قَالَ لَكَ؟ فَقَالَ: قَالَ لِي:  أَمُسْلِمُونَ هَؤُلَاءِ لَا، وَلَا كَرَامَةَ، لَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ.
 قُلْتُ لِلْفَضْلِ بْنِ الصَّبَّاحِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ هَذَا لِابْنِ إِدْرِيسَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ؟
 قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ
ذكر الصلاة خلفهم يدل على أن الكلام على معينين .

وقال : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الزِّمِّيُّ، قَالَ:
 حَضَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنَّ قِبَلَنَا نَاسًا يَقُولُونَ : إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ :  مِنَ الْيَهُودِ ؟  قَالَ : لَا، قَالَ:  فَمِنَ النَّصَارَى ؟  قَالَ : لَا.
 قَالَ :  فَمِنَ الْمَجُوسِ ؟  قَالَ : لَا، قَالَ :  فَمِمَّنْ ؟  قَالَ: مِنَ الْمُوَحِّدِينَ.
 قَالَ:  كَذَبُوا لَيْسَ هَؤُلَاءِ بِمُوَحِّدِينَ هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةٌ ، مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَخْلُوقٌ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ ، هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةٌ هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةٌ.
استعمال أداة الإشارة [ هؤلاء ] واضح في أن الكلام على اُناس معينين , بل قول السائل : إن قبلنا ناسا واضح جدا في أنه يسأل عن ناس بأعيانهم يعرفهم .
 وانظر إلى عبد الله بن إدريس رحمه الله كيف أنه لم يستفصل عن حالهم أهم جهال أم قامت عليهم الحجة ولم يفصل في الحكم عليهم بل حكم عليهم عن بكرة أبيهم بأنهم زنادقة.
 وكما قال الشافعي رحمه الله : ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يقوم مقام العموم في المقال.

وقال [ 31 ] : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ الضَّرِيرُ قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعَ  بْنَ الْجَرَّاحِ، يَقُولُ:  أَمَّا الْجَهْمِيُّ فَإِنِّي أَسْتَتِيبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْتُهُ .
ذكر الاستتابة لا يكون إلا بعد تكفير المستتاب بعينه , فانظر إلى وكيع رحمه الله كيف أنه لم يستفصل في تكفير الجهمي ولكنه توقف في قتله قبل استتابته مما يدل على أن تكفير الجهمية بأعيانهم أمر لا نقاش فيه عند السلف , حتى خلف خلفٌ أضاعوا الاعتقاد والسنة ومواقف السلف الحازمة بتميعهم وإرجاءهم والله الموعد
وقال [ 33 ]:  حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ السُّوَيْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا:
 وَقِيلَ لَهُ : إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ : إِنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ، فَقَالَ:  سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كُفْرٌ.
 قَالَ السُّوَيْدِيُّ: وَسَأَلْتُ وَكِيعًا عَنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْجَهْمِيَّةِ، فَقَالَ:  لَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ .

 [34 ] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَلِيحَ بْنَ وَكِيعٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعًا، يَقُولُ:
 مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ، مَخْلُوقٌ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ رَقَبَتُهُ .

 [37] حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، سَمِعْتُ وَكِيعًا، يَقُولُ:
الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كُلُّ صَاحِبِ هَوًى يَعْرِفُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْرِفُ مَنْ يَعْبُدُ إِلَّا الْجَهْمِيَّةُ لَا يَدْرُونَ مَنْ يَعْبُدُونَ. بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ وَأَصْحَابُهُ.

انظر كيف عممّ وكيع رحمه الله الحكم على المريسي وأصحابه وجزما أن منهم جهالا ومقلدين ولم يستثن منهم أحدا ولم يفصل في الحكم عليهم .

وقال [ 38 ]:  قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَذَكَرَ حَسَنُ بْنُ الْبَزَّارِ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ:
 قِيلَ لِوَكِيعٍ فِي ذَبَائِحِ الْجَهْمِيَّةِ، قَالَ:  لَا تُؤْكَلُ هُمْ مُرْتَدُّونَ .
ذكر أكل الذبائح واضح جدا في أن الكلام على الأعيان .

وقال [  42 ]:  حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْحَجَّاجِ الْجُبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي عُمَرَ الصَّفَّارُ، قَالَ:
 سَأَلْتُ مُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ : إِمَامٌ لِقَوْمٍ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أُصَلِّي خَلْفَهُ ؟ فَقَالَ :  يَنْبَغِي أَنْ تَضْرِبَ عُنُقَهُ.
 قَالَ فِطْرٌ : وَسَأَلْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ فَقُلْتُ : يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ لَنَا إِمَامٌ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أُصَلِّي خَلْفَهُ ؟ قَالَ :  صَلِّ خَلْفَ مُسْلِمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ.
 وَسَأَلْتُ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ فَقُلْتُ : يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ : إِمَامٌ لِقَوْمٍ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أُصَلِّي خَلْفَهُ ؟ قَالَ:  لَا وَلَا كَرَامَةَ
 قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : سَمِعْتُ أَنَا مِنْ فِطْرٍ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ .
وهذا واضح جدا في أنه حكم على معين إذ أن السؤال موجه حول إمام مسجد يقول القرآن مخلوق .
 وانظر -أرشدك الله- كيف اجتمع حكم هؤلاء الأئمة الثلاثة من غير تواطئ إكفاره ومنع الصلاة خلفه دون أي تفصيل منهم مع أن المقام محتمل جدا للتفصيل إن كان موجودا , لتعلم أننا نحاول أن نبين للناس أمرا كان عند السلف من المسلمات وكما يُقال : توضيح الواضحات من الفاضحات.

وقال [  44 ]:  حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ:
مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ ، تَعَالَى لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ.
وهذا سبق مثله.

وقال [ 46 ]:  حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَمَّالُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ سَبَلَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ:
 لَوْ كَانَ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ لَقُمْتُ عَلَى الْجِسْرِ فَلَا يَمُرُّ بِي أَحَدٌ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْقُرْآنِ فَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ ضَرَبْتُ رَأْسَهُ وَرَمَيْتُ بِهِ فِي الْمَاءِ .
وهذا أشد إذ أن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله ذكر القتل وضرب العنق لمن يمر بالجسر ويقول القرآن مخلوق !
وجزما لن يمر بالجسر العالمون فقط بل سيمر عليه الجهال أيضا وللكل حكم واحد عند عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله.

وقال [ 47 ] :  حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ يَعْنِي أَبَا بَكْرِ بْنَ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ:
لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ عَلَى سَطْحِهِ يَا أَبَا سَعِيدٍ لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَهْمِيًّا مَاتَ وَأَنَا وَارِثُهُ، مَا اسْتَحْلَلْتُ أَنْ آخُذَ، مِنْ مِيرَاثِهِ.
وهذا واضح جدا في أنه كلام على المعينين.

وقال [ 48 ]:  حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الطُّوسِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ:
الْجَهْمِيَّةُ يُسْتَتَابُونَ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ.

 [49] حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ صَاحِبُ الشَّامَةِ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ:
 وَذُكِرَتِ الْجَهْمِيَّةُ، فَقَالَ: هُمْ وَاللَّهِ زَنَادِقَةٌ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ .
وهذا أيضا واضح في أنه يتكلم على الأعيان.

وقال [  55 ]:  حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ بُهْلُولٍ، قَالَ:
 قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: أُصَلِّي خَلْفَ الْجَهْمِيَّةِ؟ قَالَ:  لَا.
 قُلْتُ: أُصَلِّي خَلْفَ الْمُرْجِئَةِ؟ قَالَ:  إِنَّهُمْ لَخُبَثَاءُ.
وهذا سبق مثله
وقال [  61 ]:  حَدَّثَنِي بَعْضُ، أَصْحَابِنَا وَهُو مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِيَ يَقُولُ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ:
 لَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ وَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ، كَيْفَ يَرْجِعُونَ وَأَنْتُمْ تَفْعَلُونَ بِهِمْ هَذَا؟ قَالَ: يَعْنِي الْجَهْمِيَّةَ .
وهذا سبق مثله .

وقال [  69 ]:  حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَشَّارٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ، لَنَا، قَالَ:
 قَالَ رَجُلٌ لِهُشَيْمٍ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.
 فَقَالَ:  اذْهَبْ إِلَيْهِ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْحَدِيدِ وَآخِرَ الْحَشْرِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي هَاشِمٍ الْغَسَّانِيِّ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ الرَّجُلِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ هُشَيْمٍ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ
وفلان هذا يحتمل جدا أن يكون جاهلا وأمر هشيم بأن يقرأ عليه أول الحديد وآخر الحشر ليس لإقامة الحجة فليس فيهما أن القرآن كلام الله ولكن لإحراجه إذ أن فيهما أسماء الله فإن زعم أنها مخلوقة -وهذا من أعظم أسباب تكفير السلف للقائلين بخلق القرآن- ضرب عنقه.

وقال [  70 ]:  حَدَّثَنِي عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ:
 يَقُولُ سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْمُفَضَّلِ وَذُكِرَ ابْنُ خَلُوبَا، فَقَالَ:  هُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ
وهذا أوضح من أن يقال إنه تكفير لمعين .

وقال [ 72 ] :  حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ الْبُهْلُولِ، قَالَ:
 قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ أَبِي ضَمْرَةَ: أُصَلِّي خَلْفَ الْجَهْمِيَّةِ؟
 قَالَ:   لَا {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .

 [73] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الدَّوْرَقِيِّ، سَمِعْتُ زُهَيْرَ بْنَ الْبَابِيِّ، يَقُولُ:
إِذَا تَيَقَّنْتَ أَنَّهُ جَهْمِيُّ أَعَدْتَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا.
 [75] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ يَقُولُ:
لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ يَؤُمُّونَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْإِمَامَةِ , إِلَّا أَنَّ الرَّأْسَ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ يَقُولُ هَذَا رَأَيْتُ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِالرَّأْسِ.
 فَأَخْبَرْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ: هَذَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ إِذَا كَانَ الَّذِي يُصَلِّي بِنَا لَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا صَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَإِذَا كَانَ الَّذِي يُصَلِّي بِنَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَعَدْتُ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ.
فعلق أحمد رحمه الله إعادة الصلاة خلفه على مجرد القول بخلق القرآن .

وقال [ 76 ]:  حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: أَنَّهُ
يُعِيدُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ مُذْ أَظْهَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ الْمَأْمُونُ مَا أَظْهَرَ يَعْنِي الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.

 [179] حَدَّثَنِي ابْنُ شَبُّوَيْهِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:
مَنْ قَالَ شَيْءٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَخْلُوقٌ عِلْمُهُ أَوْ كَلَامُهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ كَافِرٌ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ وَيُجْعَلُ مَالُهُ كَمَالِ الْمُرْتَدِّ وَيُذْهَبُ فِي مَالِ الْمُرْتَدِّ إِلَى مَذْهِبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
وهذه كلها أحكام المعينين .

 [189] حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، يَقُولُ:
لَعَنَ اللَّهُ الْجَهْمَ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ كَانَ كَافِرًا جَاحِدًا تَرَكَ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَرْتَادُ دِينًا وَذَلِكَ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْإِسْلَامِ
 قَالَ يَزِيدُ:  قَتَلَهُ سَلْمُ بْنُ أَحْوَزَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
فانظر إلى يزيد بن هارون رحمه الله كيف لعن جهما ومن قال بقوله وجزما أن منهم جهالا ومقلدين.

فقال اللالكائي في السنة [  415 ] : أخبرنا علي بن محمد بن أحمد بن بكران ، أنبا الحسن بن محمد بن عثمان قال : ثنا يعقوب بن سفيان قال : سمعت أبا هاشم زياد بن أيوب قال :
 قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله رجل قال القرآن مخلوق ، فقلت له : يا كافر ، ترى علي فيه إثما ؟
قال : كان عبد الرحمن بن مهدي يقول : لو كان لي منهم قرابة ثم مات ما ورثته .
فقال له خراساني بالفارسية : الذي يقول القرآن مخلوق أقول إنه كافر ؟ قال : نعم .
(مستفاد من مقال لأبي جعفر الخليفي)
فلم ير أحمد رحمه الله بأسا بتكفير هذا القائل بخلق القرآن مع أن احتمال كونه جاهلا قوي جدا
فإذا تقرر هذا عُلم أن كلام السلف الآخر الذي ظاهره تكفير العموم إنما هو للأعيان , لأنهم كفروا في كثير من كلامهم المعينين ولم يفصلوا في ذلك مع شدة الحاجة إليه فدل هذا كله أنه لا عذر بالجهل في القول بخلق القرآن
وقد نقلت كلام أئمة السنة مع كلام أحمد لأنهم على مذهب واحد وليست هذه بالمسائل الاجتهادية التي تختلف فيها الآراء
وليس لهذا الكاذب مثال يعترض به سوى مثال المعتصم وقد ناقشه أبو جعفر عبد الله الخليفي في مقال مستقل هذا رابطه : http://alkulify.blogspot.com/2013/12/blog-post_8018.html
ولو سلمنا له جدلا أن أحمد رحمه الله عذره فلا يسوغ له هذا البتة أن يكذب عليه ويدعي أنه يعذر كثيرا من أتباع الجهمية بالجهل بل ويترحم عليهم , فمثال المعتصم هو المثال الوحيد الذي يمكن لهم أن يأتوا به وهو محل نقاش وهو أيضا على غير أصول هذا الكاذب إذ أنه لا يقدر أن يقول أنه لم تقم عليه الحجة وقد ناظر أحمد الجهمية أمامه ثلاثة أيام وقد شرح هذا أبو جعفر في مقاله فليقرأه من شاء .


وقال عبد الله في السنة [ 535 ]:  سَمِعْتُ أَبَا مَعْمَرٍ الْهُذَلِيُّ، يَقُولُ:
مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَغْضَبُ وَلَا يَرْضَى - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ - فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ عَلَى بِئْرٍ وَاقِفًا فَأَلْقُوهُ فِيهَا بِهَذَا أَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ بِاللَّهِ تَعَالَى.
وهذا واضح جدا في أنه كلام على الأعيان




الفصل الثاني
في هذا الفصل سأذكر ما استفصل فيه الأئمة وفصلوا في الحكم على الواقعين فيه ليُعلم أنهم رحمة الله عليهم إذا كان الأمر يستلزم التفصيل فإنهم لا يتوانون عنه وإذا تركوه عُلم أن الأمر لا تفصيل فيه
قال عبد الله في السنة [  223 ]:  سَمِعْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَسُئِلَ عَنِ الْوَاقِفَةِ فَقَالَ أَبِي:
مَنْ كَانَ يُخَاصِمُ وَيُعْرَفُ بِالْكَلَامِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْكَلَامِ يُجَانَبْ حَتَّى يَرْجِعَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ يَسْأَلْ.
 [224] سُئِلَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَا أَسْمَعُ - عَنِ اللَّفْظِيَّةِ، وَالْوَاقِفَةِ، فَقَالَ:
مَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَاهِلًا لَيْسَ بِعَالِمٍ فَلْيَسْأَلْ وَلْيَتَعَلَّمْ.
 [225] سَمِعْتُ أَبِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَرَّةً أُخْرَى وَسُئِلَ عَنِ اللَّفْظِيَّةِ، وَالْوَاقِفَةِ فَقَالَ:
مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يُحْسِنُ الْكَلَامَ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى هُمْ شَرٌّ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ.
فهنا يفصل أبو عبد الله رحمه الله في اللفظي والواقفي ويعذر جاهلهم بجهله مع أنه لم يقل هذا أبدا في القائل بخلق القرآن مما يدل على أنه لا مجال فيه للعذر بالجهل
ولاحظ -رحمك الله- أن أحمد رحمه الله قال للجاهل مباشرة : فليسأل وليتعلم ولم يتميع معه ويهون من شأنه بل أمره بالتعلم والسؤال لأن هذه المسائل خطيرة
وقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان رحمهما الله في العقيدة التي نقلا عليها إجماع السلف وعلماء الأمصار :
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ, وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ مِمَّنْ يَفْهَمُ فَهُوَ كَافِرٌ , وَمَنْ شَكَّ فِي كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَقَفَ شَاكًّا فِيهِ يَقُولُ: لَا أَدْرِي مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ جَهْمِيٌّ. وَمَنْ وَقَفَ فِي الْقُرْآنِ جَاهِلًا عُلِّمَ وَبُدِّعَ وَلَمْ يُكَفَّرْ . اهـ
فتفصيلهما رحمهما الله في الذي يشك في كفر القائل بخلق القرآن واشتراطهما الفهم دليل على أمور :
أولا : أنّ الكلام على المعينين إذ أنّ الفهم وصف يتعلق بالمعين
ثانيا : أن الكفر القائل بخلق القرآن أمر واضح وجلي لأنهما انتقلا إلى من يشك في كفره
ثالثا : أن القائل بخلق القرآن لا تفصيل في تكفيره ولا عذر له بالجهل
وقد فصلا أيضا في الواقفي وعذرا الذي يقف جهلا ولكنهما بدعانه وقالا : وعُلّم فلم يذرانه هكذا معذورا بجله وكأنه لا شيء عليه بل حكما بابتداعه وحثّا على تعليمه فهو على شفا هلكة
وبهذا كله يتبين جليا أنه لا تفصيل في القائل بخلق القرآن ولا عذر له بالجهل

الفصل الثالث
سأذكر في هذا الفصل شيئا مما ذكرته في الفصل الأول وأزيد عليه ليرى القارئ أمثلة على أناس يحتمل جدا كونهم جهلة ومع هذا لم يعذر الأئمة بالجهل ولم يستفصلوا في الحكم عليهم.

قال عبد الله في السنة : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الزِّمِّيُّ، قَالَ:
 حَضَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ قِبَلَنَا نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ :  مِنَ الْيَهُودِ؟  قَالَ: لَا، قَالَ:  فَمِنَ النَّصَارَى؟  قَالَ: لَا، قَالَ:  فَمِنَ الْمَجُوسِ؟  قَالَ: لَا، قَالَ:  فَمِمَّنْ؟  قَالَ: مِنَ الْمُوَحِّدِينَ.
 قَالَ:  كَذَبُوا لَيْسَ هَؤُلَاءِ بِمُوَحِّدِينَ هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةٌ، مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَخْلُوقٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ، هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةٌ هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةٌ .
هؤلاء الناس يحتمل جدا أن يكونوا جهالا أو على الأقل منهم جهلة .

وقال [ 37 ] : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، سَمِعْتُ وَكِيعًا، يَقُولُ:  الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كُلُّ صَاحِبِ هَوًى يَعْرِفُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْرِفُ مَنْ يَعْبُدُ إِلَّا الْجَهْمِيَّةُ لَا يَدْرُونَ مَنْ يَعْبُدُونَ. بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ وَأَصْحَابُهُ .
أصحاب بشر يحتمل جدا أن منهم جهلة .

وقال [ 42 ]:  حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْحَجَّاجِ الْجُبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي عُمَرَ الصَّفَّارُ، قَالَ:
 سَأَلْتُ مُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ: إِمَامٌ لِقَوْمٍ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أُصَلِّي خَلْفَهُ؟ فَقَالَ:  يَنْبَغِي أَنْ تَضْرِبَ عُنُقَهُ.
 قَالَ فِطْرٌ: وَسَأَلْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ لَنَا إِمَامٌ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أُصَلِّي خَلْفَهُ؟ قَالَ:  صَلِّ خَلْفَ مُسْلِمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ.
 وَسَأَلْتُ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ: إِمَامٌ لِقَوْمٍ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أُصَلِّي خَلْفَهُ؟
 قَالَ: لَا وَلَا كَرَامَةَ.
 قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ أَنَا مِنْ فِطْرٍ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ
هذا الإمام يحتمل جدا أن يكون جاهلا .

وقال [  46 ]:  حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَمَّالُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ سَبَلَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ:
 لَوْ كَانَ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ لَقُمْتُ عَلَى الْجِسْرِ فَلَا يَمُرُّ بِي أَحَدٌ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْقُرْآنِ فَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ ضَرَبْتُ رَأْسَهُ وَرَمَيْتُ بِهِ فِي الْمَاءِ .
هؤلاء المارّون يحتمل جدا أن منهم جهلة وعبد الرحمن بن مهدي رحمه الله انتقل هنا من التكفير إلى القتل لما تقررّ عند السلف من أن كفر القائلين بخلق القرآن أمر مسلم لا نقاش فيه
وقال [  47 ]: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ يَعْنِي أَبَا بَكْرِ بْنَ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ:
لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ عَلَى سَطْحِهِ يَا أَبَا سَعِيدٍ لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَهْمِيًّا مَاتَ وَأَنَا وَارِثُهُ، مَا اسْتَحْلَلْتُ أَنْ آخُذَ، مِنْ مِيرَاثِهِ.
هذا الموروث يحتمل جدا كونه جاهلا.

وقال [ 69 ]:  حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَشَّارٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ، لَنَا، قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ لِهُشَيْمٍ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ:  اذْهَبْ إِلَيْهِ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْحَدِيدِ وَآخِرَ الْحَشْرِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ.
 قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي هَاشِمٍ الْغَسَّانِيِّ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ الرَّجُلِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ هُشَيْمٍ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ
هذا الرجل يحتمل جدا كونه جاهلا
قال صالح بن أحمد رحمه الله في سيرة أبيه : قَالَ أبي رَحْمَة الله :
 لما كَانَ فِي شهر رَمَضَان لَيْلَة تسع عشرَة خلت مِنْهُ حولت من السجْن إِلَى دَار إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأَنا مُقَيّد بِقَيْد وَاحِد يُوَجه إِلَيّ كل يَوْم رجلَيْنِ سماهما أبي
قَالَ أَبُو الْفضل  : وهما احْمَد بن رَبَاح وَأَبُو شُعَيْب الْحجام يكلماني ويناظراني فَإِذا أَرَادَا الِانْصِرَاف دعِي بِقَيْد فقيدت فَمَكثت على هَذِه الْحَال ثَلَاثَة أَيَّام وَصَارَ فِي رجْلي أَرْبَعَة أقياد
فَقَالَ لي أَحدهمَا فِي بعض الْأَيَّام فِي كَلَام دَار وَسَأَلته عَن علم الله فَقَالَ علم الله مَخْلُوق .
قلت يَا كَافِر كفرت فَقَالَ لي الرَّسُول الَّذِي كَانَ يحضر مَعَهم من قبل إِسْحَاق هَذَا رَسُول أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَقلت إِن هَذَا قد كفر وَكَانَ صَاحبه الَّذِي يَجِيء مَعَه خَارج فَلَمَّا دخل قلت إِن هَذَا زعم أَن علم الله مَخْلُوق فَنظر إِلَيْهِ كالمنكر عَلَيْهِ
فانظر إلى تكفير أبي عبد الله رحمة الله عليه لهذا الرجل وهو جزما جاهل إذ أنه رسول الخليفة ولا علاقة له بالعلم , وسبب تكفيره له هو عين سبب تكفير الأئمة للقائلين بخلق القرآن , فقد قال أحمد بعد هذا مباشرة كما في سيرة صالح : قَالَ أبي واسماء الله فِي الْقرَان وَالْقرَان من علم الله فَمن زعم أَن الْقرَان مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر وَمن زعم أَن أَسمَاء الله مخلوقة فقد كفر
الفصل الرابع
وهنا أحيل القارئ لمقال أخينا أبي موسى الروسي فقد جمع جمعا جيدا جزاه الله خيرا وهذا رابط مقاله : http://altameme1.blogspot.com/2014/07/blog-post_6245.html

فتأمل أيها القارئ هذه الكلمات من هؤلاء الأئمة :
وَقَالَ عَلِيٌّ (لا أدري هو بن عاصم أو بن المديني رحمهما الله) :
 إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ لِلَّهِ وَلَدًا أَكْفَرُ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ، وَقَالَ: احْذَرْ مِنَ الْمَرِيسِيِّ وَأَصْحَابِهِ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ يَسْتَجْلِبُ الزَّنْدَقَةَ، وَأَنَا كَلَّمْتُ أُسْتَاذَهُمْ جَهْمًا فَلَمْ يُثْبِتْ لِي أَنَّ فِي السَّمَاءِ إِلَهًا .
فكفر القائلين بخلق القرآن والنافين صفة الكلام عن الله ليس ببعيد من كفر النصارى الناسبين لله ولدا , ولا يعذر النصارى بالجهل إلا من لم يشم رائحة الإسلام والسنة , ومقالة جهم هذه (أنه لم يثبت في السماء إلها) هي مقالة الأشعرية المتأخرين عن بكرة أبيهم من المفسرين وشراح الحديث
وقول عبد الله بن إدريس : اليهود والنصارى والمجوس هم والله خير ممن يقول القرآن مخلوق .
 شديد جدا على من يعذر القائلين بخلق القرآن فهذا الكلام يلزمه أن يعذر اليهود والنصارى والمجوس بالجهل ولا قائل بهذا ممن يعتد به
وقول أبي عبيد القاسم بن سلام : وَمَنْ قَالَ: هَذَا فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْكُفْرِ إِلَّا وَهُوَ دُونَهُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَذهَبُهُ التَّعْطِيلُ لِلْخَالِقِ .
 وقد قال هذا رحمه الله في آخر جوابه عن شبهة للمريسي ربما لو قالها قائل اليوم لعذره الجهلة بها , أما أبو عبيد فقد اعتبر هذه الشبهة التافهة التي يراد من وراءها نفي كلام الله كفرا ليس كفر في الأرض إلا وهو دونه وأنه قال ما لم يقله اليهود ولا النصارى , ويلزم الكاذب وحزبه من هذا الكلام إعذار كل كافر بجهله مهما كان كفرا جليا وغليظا إذ أنه ليس كفر إلا وهو دون كفر الجهمية القائلين بخلق القرآن
وقول أبي عبيد : من قال القرآن مخلوق فهو شرّ ممّن قال  إنّ الله ثالث ثلاثة  .
  يبخّر كل شبهة للكاذب فمن هو شر النصارى الذين يقولون بالتثليث الذين من شك في كفرهم بأعيانهم فهو كافر بعينه كيف يعذر بالجهل ؟

وفي هذا القدر كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع فهو شهيد , وقد أتينا على ما ادعينا بالحجج الواضحات والنقول الكثيرة عن أئمة المسلمين فليأت كاذبكم بسلطان مبين
إلزام للكاذب وحزبه : لو تنزلنا معكم تنزلنا بدعياً ! وقلنا أن كلام السلف إنما هو بالعموم وليس للأعيان واشترطنا لتكفير المعينين من القائلين بخلق القرآن شروطكم  المحدثة .
 فهل تقبلون منا أن نكفر الأشاعرة ونكفر من لم يكفرهم على سبيل العموم -كما ادعيتم على السلف- ؟
فنقول الأشاعرة كفار ومن شك في كفرهم ممن يفهم فهو كافر -كما قال السلف على الجهمية- ؟
أم سترموننا بكل بلية ؟
سيّما وهم يقولون بخلق القرآن العربي الذي بين أيدينا وينكرون علو الله ولا يقرّون أن في السماء ربّا -تعالى ربنا وتقدس عن كفرهم- وينكرون عامّة الصفات ويحرفونها بتحريفات بشر المريسي الذي أجمع السلف على كفره وكفر أصحابه وكثير منهم ينصر مذهب جهم في الإيمان الذي كفر به السلف ؟
وقد نص السلف على أن الجهمية إنما يدورون على أنه ليس في السماء إله وهذا قد صرح به  الأشاعرة بل بأشنع منه بل وكفروا المسلمين الموحدين الذين يعتقدون أن الله على عرشه بذاته بائن من خلقه , وهذه وحدها كافية للجزم بكفر الأشاعرة وكفر من لم يكفرهم
فهل يقدر هؤلاء أن يقولوا : الأشاعرة كفار ومن شك في كفرهم ممن يفهم فهو كافر على سبيل الإطلاق لا التعيين ؟
أما أنا فلا أظنهم يقدرون بل لا اُراهم إلا سيضللون قائل هذه المقالة .
 وقد قال أحدهم مرة : إن من اعتقاد أهل السنة أن الأشاعرة مبتدعة وليسوا كفارا .
 ولا أدري في أي كتاب من كتب اعتقاد السلف وجد هذه العقيدة والله المستعان

والله أعلم , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
كتبه أبو سعيد الرادسي التونسي  , وفقه الله تعالى


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |