نقد كتاب عبقرية عمر للعقاد [ الحلقة الأولى ]


1- نقد كتاب [ عبقرية عمر ] للعقاد 
الحلقة الأولى 
 
[ مقدمة ] :
الحمد لله الذي منّ علينا بالهداية للإسلام , ومن علينا برحمته وفضله أن هدانا لحب الصالحين من الأئمة السالفين الهداة المهتدين , الذين جعلهم الله حماة لهذا الدين , الذابين عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن آثار أصحابه رضي الله عنهم والتابعين .
فالحمد له سبحانه كل الحمد , ملء السموات وملء الأرض وملء ما شاء من شيء بعد
أما بعد :
ففي كل زمان من هذه الأزمنة يقيض الله عز وجل من يقوم بدينه وينشر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وينشر آثار الصحابة والتابعين رضي الله عنهم , ويذب الكذب عنهم .
ففي الأزمنة الأولى ظهر بعض الكذابين الذين أدخلوا خطأ أو عمداً بعض الأحاديث والآثار التي لا أصل لها ولا أساس لها من الصحة
فيقيض الله عز وجل من يبين هذا أشد التبيين ويوضح ذلك أشد الإيضاح .
 وهذا في الغالب , وقد يقوى ذلك في زمن ويظهر , ويضعف في زمن آخر ويدرس .
قال ابن أبي حاتم في التقدمة [ ص 2 ] :
 فإن قيل : فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة ؟
قيل : بنقد  العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة ، ورقهم هذه المعرفة ، في كل دهر وزمان.
حدثنا أبي قال أخبرني عبدة بن سليمان المروزي قال :
قيل لابن المبارك : هذه الأحاديث المصنوعة ؟
 قال: يعيش لها الجهابذة.
فإن قيل فما الدليل على صحة ذلك ؟
قيل له : اتفاق أهل العلم على الشهادة لهم بذلك , ولم ينزلهم الله عز وجل هذه المنزلة إذ أنطق ألسنة أهل العلم لهم بذلك ألا وقد جعلهم أعلاما لدينه، ومنارا  لاستقامة طريقه ، وألبسهم لباس أعمالهم –انتهى
و قال ابن أبي حاتم في[ ص 5 ] :
 فلما لم نجد سبيلا إلى معرفه شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من جهة النقل والرواية
وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة  وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة.
ولما كان الدين هو الذي جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة
حق علينا معرفتهم ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته.
 بأن يكونوا أمناء في أنفسهم، علماء بدينهم ، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه ، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل ، لا يشوبهم كثير من الغفلات ، ولا تغلب  عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه ، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات.
وأن يعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم .
 وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة  الغلط والسهو والاشتباه.
 ليعرف به أدلة هذا الدين وأعلامه  , وأمناء الله في أرضه على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم هؤلاء أهل العدالة، فيتمسك بالذي رووه ، ويعتمد عليه ، ويحكم به ، وتجري أمور الدين عليه.
 وليعرف أهل الكذب تخرصا ، وأهل الكذب وهما ، وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ ، فيكشف عن حالهم.
 وينبأ عن الوجوه التي كان مجرى روايتهم عليها، إن كذب فكذب، وإن وهم فوهم.
 وان غلط فغلط وهؤلاء هم أهل الجرح ، فيسقط حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يعبأ به ولا يعمل عليه ، ويكتب حديث من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار .
 ومن حديث بعضهم الآداب الجميلة والمواعظ الحسنة والرقائق  والترغيب والترهيب هذا أو نحوه. انتهى
ثم ذكر ابن أبي حاتم طبقات الرواة والكلام عليهم فارجع إليه فإنه مهم .

[ خصوصية آثار الخلفاء الراشدين وأنها سنن بنص النبي صلى الله عليه وسلم ]
وبعد هذه المقدمة نشير إشارة يسير  إلى حجية أقوال الصحابة رضي الله عنهم وخصوصاً الخلفاء الراشدين
فمن ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم [ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ] رواه الإمام أحمد في مسنده قال : حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ ثَوْرٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ , وذكر الحديث بطوله

قال أبو داود في مسائله [1792 ]  سَمِعْتُ أَحْمَدَ غَيْرَ مَرَّةٍ ، يُسْأَلُ ، يُقَالُ : لِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ سُنَّةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ.
 وَقَالَ مَرَّةً لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ] ، فَسَمَّاهَا سُنَّةً
وقال : قِيلَ لَهُ : تَقُولُ لِمِثْلِ قَوْلِ أُبَيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ : سُنَّةٌ ؟
 قَالَ : مَا أَدْفَعُهُ أَنْ أَقُولَ ، وَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ أُخَالِفَ أَحَدًا مِنْهُمْ.انتهى
وقال الإمام أحمد في المسند  : [23634] :  حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
 [ اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي : أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ] 
والأمثلة في هذا كثيرة ومن نظر في طريقة أهل الحديث عرف منزلة قول الصحابي عندهم , وأنها من أساسات العقيدة السلفية , وهي الرجوع لما كان عليه السلف ورأس السلف هم الصحابة
 فهذا هو المعنى المطلوب من كلمة سلفية 
وانظر للفائدة ما كتبه أخي أبو جعفر عبد الله بن فهد الخليفي في مقدمة وملاحق [ الصحيح المسند من آثار العشرة المبشرين بالجنة ]
واتباع الآثار الواردة عن الصحابة عامة والراشدين خاصة  هو من اتباع الكتاب والسنة.
 فهذا سبيل المؤمنين الذي حث الله عز وجل الناس على اتباعه .
 وهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا تعارض أصلا في قبوله مع الأخذ بالسنة .
 فالأخذ به أخذ بالسنة أصلاً
فإما أن يوافقها وهذا يأخذ به كل الناس بلا خلاف .
 وإما أن يخالفها فإن صحت فالسنة مقدمة .
 وإن ضعفت فقول الصحابي الصحيح عنه أقوى .
 وإن اجتمعوا فلا يكون قولهم إلا حقاً.
 وإن اختلفوا فلا يخرج الحق عن قولهم .
فما ترك لنا حق لم يصلوا إليه بفضلنا عليهم .
 وهذا الإمام أحمد الذي كان أحفظ أهل الدنيا في وقته يحفظ ألف ألف حديث ( يعني مليون حديث في عدنا اليوم ) كان يأخذ بأقوال الصحابة ويرجع إليها فمع كل هذا الحفظ لم يجد أي تعارض بين هذا وهذا.
 أفرأيت الناس اليوم الذين كثير منهم بالكاد يحفظ أرقام هواتف أصحابه ! عرف هذا التعارض ولم يعرفه الإمام أحمد وأهل الحديث !!
أم عرفه ابن حزم الذي – تجهم – في العقيدة , وهو لا يعرف الترمذي ولا عفان بن مسلم الصفار ولا عبد الله بن شوذب وهم من عيون المحدثين ومشاهيرهم ؟!
ومن أسخف ما تأولوا به حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين  قولهم :  يعني إن وافقت سنتي !!
وهذا من أعجب العجب , إذ أين مزية الراشدين في الكلام فكل من كان كلامه موافق للسنة وجب اتباعه للسنة والأدلة ويدخل في هذا الخلفاء وغيرهم فيكون الكلام لا فائدة منه وهذا ممتنع في حق النبي صلى الله عليه وسلم
وإنما المراد أنهم أقرب لإصابة الحق وأنهم شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل ورأوا النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة وعرفوا أحواله وكلامه وفهموه وهم أصحاب دين وإيمان وتقوى فمثلهم يوفق لإصابة الحق
وهذا الذي جرى عليه أهل الحديث كمالك في الموطأ والشافعي في الأم نصاً وعملاً .
 وأما الإمام أحمد فأشهر من أن يدلل على عمله , وعليه أهل الحديث قاطبة
ودع عنك هنبثات أصحاب كتب الأصول الذين عامتهم جهمية في العقيدة , البهائم أحسن منهم عقيدة في الله تعالى
ومن ضيع عقيدة السلف  ولم يعرف أين ربه ! لا تنتظر منه كبير خير , ولا تنتظر منه أن يحثك على ما كان عليه السلف وأهل الحديث فهو آخذ بك لأهل الكلام من الجهمية وفرعهم الأول الأشعرية لا محالة
وكما قال الشعبي رحمه الله ما حدثوك عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذ به وما حدثوك عن آرائهم فبل عليه أو قال فألقه بالحش .
[ مقدمة نقد الكتاب وأسباب ذلك ]
وبعد هذه المقدمة أقول :
قد وقفت في أحد المنتديات في الشابكة على حوار بين شخص يبحث عن أثر عن عمر رضي الله عنه وبعض المشتغلين بعلم الحديث
ثم وصلوا إلى أن هذا الأثر لم يجدوه إلا في كتاب عباس محمود العقاد الشهير الموسوم بـ [ عبقرية عمر ] !
ثم علق بعض الناس قائلاً أن هذا الكتاب على شهرته فيه كثير من الأباطيل والآثار التي لا أصل لها
فبحثت في الشبكة ووجدت للكتاب انتشاراً رهيبا بين الناس فحملت منه نسخة مصورة وبدأت بالنظر فيها
وهالني ما رأيت  !
الكتاب يقع في ثلاثين ومائتين صحيفة قرأت منها مائة  صحيفة تقريبا فوجدت الآثار الصحيحة لا تتعدى العشرة آثار فقط !
والآثار الضعيفة والموضوعة والتي لا أصل لها تجاوزت المائة !
فعمر الذي أعجب العقاد بعبقريته هو رجل آخر في مخيلته ليس هو الفاروق عمر رضي الله عنه  !
وإني لاستغرب ممن يأخذ دينه من مثل هؤلاء ومن يمدح كتبهم أو يقول هي جيدة على ملاحظات فيها !
وقد كان المحدثون قديما لا يرضون بحكاية الأخبار المنكرة التي اتفق أنها لا تصح ولا يرضون بالرواية عن الضعفاء جداً فيقولون : [ فلان لا تحل الرواية عنه ] [ فلان لا يروى عنه ] [ لا يروي عن فلان رجل فيه خير ] [ وفلان لا يشتغل به ]
وبعض من قيل فيه هذا تجده في نفسه رجلا صالحا صاحب عبادة وخلق ,  فكيف برجل ملحد اختلف الناس في إسلامه فضلاً عن عدالته ؟!
وقبل البدء بسرد أخبار الكتاب أود أن أنبه أنه لا يجوز لمثل هذا الملحد ومن هو على شاكلته أن يكتب في هذه المواضيع أصلاً لأنه لا علاقة لهم بعلم الحديث والإسناد .
ومثل هذه المواضيع عمودها الأساسي هو علم الإسناد .
الذي هو من خصائص أهل الحديث الذي عاش الرجل ومات وما أظنه يعرف منهم كبير أحد.
وكما نشر المبطلون والضعفاء الأباطيل في خير الأزمنة فلا عجب أن يأتي مثل هؤلاء وينشر الأباطيل بين الناس
لكن العجب
كل العجب أن يكون هذا الكتاب المشين الذي فيه من الجرأة على الدين وعلى أولياء الله الصالحين بنسبة الكذب لهم ما قد لا تراه في موضع آخر العجب أن يكون مرجعاً في خمس رسائل للدكتوراه وقفت عليها !!
وأن يكون مرجعاً في مقرر إحدى المراحل الدراسية في دولة خليجية !
 وأن يذكره بعض المنتسبين للدعوة والإسلام ويأخذون منه الأخبار ويذيعونها بين المسلمين
فإلى الله نشكو غربة الدين واندراس العلم وقلة العلماء , بل وقلة حياء الناس من الله
 فوالله لا ينبغي الاعتماد على مثل هذه الكتب حياء من الله  ومن خلقه من المسلمين
أفرأيت جهود العلماء كشعبة والقطان وابن مهدي وأحمد وابن معين وابن المديني والرازيين وغيرهم كثير وما صنعوه من أجل حماية السنة والآثار من التحريف والإدخال حتى أنه لا يستطيع أحد أن يزيد في حديث حرفا إلا وقالوا هذا شاذ أو منكر !!
أفرأيت هذه الجهود العظيمة كيف نبذها كثير من الناس وراء ظهره , وتركوا مثل هذا الرجل وأمثاله يعبثون بتراث الأمة وينسبون لأولياء الله الصالحين من الكذب والأباطيل مما لم يجمعه أحد في كتاب واحد هكذا بلا نكير  !
فهذا الكتاب طبع لأول مرة قبل قرابة خمسين سنة !
ومع كل ما فيه من أباطيل ما تصدى أحد من المسلمين لبيان ما فيه من كذب وموضوعات
فإن قال قائل : قصده الخير  وهذا جمع كما جمع غيره
قلت لك : أولاً : لا أسلم لك أن قصده الخير , فمن قرأ الكتاب عرف أن الرجل يريد أن يظهر عمر بصورة بشعة , ليست صورته الحقيقية ولا قريب منها حتى
فمرة يظهره بأنه يستمع الغناء حتى الفجر !! وهذا كذب
ومرة يظهره بصورة الاشتراكي !!
ومرة يظهره بصورة اللين مع الكفار , الشديد مع المسلمين !!
وطيلة الكتاب يريد أن يقول أن عمر عنده مقومات الزعامة من قبل الإسلام وأن الإسلام ما زاده كبير شيء !!
ومن قرأ الكتاب عرف حقيقة ما أقول بكل وضوح .
فلو كان قصده الخير لما أخذ من الآثار ما يوافق هواه هذا لو صحت عنه فكيف وهي أباطيل وبعضها من اختراعه هو ولا وجود لها أصلاً !!
ولو كان قصده الخير لمرّض مروياته ! وقال أنا مزجى البضاعة في هذا وجمعت ما وقفت عليه فلا تعتمد على هذا الجمع مطلقاً مثلاً
فأي خير أن تجمع الأباطيل والكذب ثم تأخذ منه ما يوافق هواك وتضعه في كتاب !
فلا خير في هذا البتة وإذا لم يكن هذا الشر بعينه مقدمة ونتيجة , فلا أدري من أبطن الشر للإسلام والمسلمين ماذا يصنع ؟!
وأنا في شك أصلاً أن يكون هو جامع الكتاب , بل أظنه لصاً أخذ عمل غيره  آنذاك – وخصوصاً المستشرقين – وزاد فيه ونقص وعلق عليه وأخرجه
ولو كان من عمله فهذا سيزيد عليه نسبة الاتهام بسوء النية والطوية أفرأيت رجلاً اطلع على كل هذه المصادر لم تمر عليه آثار عمر الثابتة عنه ؟!
أفيكتب مائتين ورقة عن عمر ولا يذكر ما يصح عنه إلا روايات معدودة !
فسبحان الله ما أقبح الشر وما أقبح من يدافع عنه , ولا غرابة إذ في هذه الأزمنة صار الناس يدافعون عن الجهمية منكري العلو , وعن أهل الرأي المحرفة الرادين للسنن بآرائهم وصار الأصل هو الدفاع عن كل مبطل مطلقاً  !
ولعل بعض أهل زماننا لو عاش في تلك الأزمنة لصار حرباً على الإمام أحمد وأهل الحديث يدافع عن أهل البدع والكذب !!
وإن كان قصده الخير حقاً فهذا لا يمنع من الرد عليه وبيان الخطل في كتابه , وكم من مريد للخير لم يصبه .
ثم جمع هذه الآثار وشرحها والتعليق عليها يحتاج لفقيه يعرف فقه هذه الآثار ويعرف ما اتفق عليه الناس وما اختلفوا فيه , وحال الناس آنذاك وطريقتهم , لا من يقيس أحوال الصالحين من السابقين على أحوال المجتمعات المعاصرة التي تعرضت للاستعمارات الفكرية والميدانية .
فإن قلت :  جمع كما جمع غيره ؟
قلت لك : أولا الجمع بلا إسناد ليس من طريقة السلف وإن فعله من فعله .
 بل إن تأملت فيمن يحذفون الأسانيد عرفت أنهم ليس أصحاب صنعة حديثية ولا لهم كبير عناية بالإسناد وبعضهم في نفسه ضعيف أصلاً وبعض رواياته لا نور عليها
فالواجب الرجوع لطريقة السلف حين الجمع والعرض , لأسباب :
أولا ً : اقتداء بالسلف الذين كانوا يسندون حتى الطرائف والفكاهة .
ثانياً : الواجب تعريف المسلمين بأئمة الدين ورواة الإسناد لكي يعرفونهم ويعرفون حقهم وفضلهم .
الثالث: قد يخالفك شخص في الإسناد أو ينبهك على علة كالانقطاع مثلاً .
الرابع : فيه فائدة لك فتعرف الإسناد ومداراته ورواته المشاهير .
الخامس : بث روح التثبت والإسناد بين الناس من المسلمين عامة فيعرفون أن من طريقة أهل الحديث أنهم لا يذكرون شيئاً إلا بإسناد .
ومع هذا يقال لا يشترط في الأخبار غير المرفوعة غاية الصحة , ويذكر الضعيف والمرسل منها والحكايات استئناساً وعاضداً للصحيح وهذا عمل الأئمة والناس
فالحمد لله على نعمة الإسلام والسنة , والحمد لله الذي ألهم المسلم رشده وجعله على عقيدة السلف التي نسأل الله أن يميتنا عليها ويحشرنا مع أهلها
وأقول للقاري : أني سوف أترك الآثار الضعيفة ضعفا محتملاً والتي فيها انقطاع يسير وإنما سأتكلم عن البواطيل والمناكير التي لا تصح بحال :
 وسأجعل ما نقلته عن العقاد باللون الأحمر للتنبيه :
قال العقاد أن عمر قال لأبي بكر حين أراد قتال أهل الردة ما يلي :
1- [ إن رسول الله كان يقاتل العرب بالوحي والملائكة يمده الله بهم ]
أقول : وهذا لا أصل له إنما ذكره أديب أندلسي يعرف بالبري توفي قبيل القرن السابع بلا خطام ولا زمام في خبر طويل غريب جداً لا وجود له إلا عنده !
وأخبار أهل الردة وقتالهم وما جرى في ذلك مبثوث في كتب الإسلام ليس فيها من ذا شيء .

2- [ وقال عمر لأبي بكر : الزم بيتك ومسجدك فإنه لا طاقة لك بقتال العرب ! ]
أقول : وهذا أيضاً لا أصل له ولا وجوده له في دواوين الإسلام وهو كسابقه تماماً

3- ذكر العقاد خطبة طويلة لعمر أنه خطبها لما ولي الخلافة قال فيها : [بلغني أن الناس قد هابوا شدتي، وخافوا غلظتي وقالوا: قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر رضي الله تعالى عنه والينا دونه، فكيف الآن وقد صارت الأمور إليه؟ ولعمري من قال ذلك صدق كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت عبده وخادمه حتى قبضه الله عزّ وجلّ وهو عني راض، والحمد لله وأنا أسعد الناس بذلك. ثم ولي أمر الناس أبو بكر رضي الله تعالى عنه فكنت خادمه وعونه أخلط شدّتي بلينه، فأكون سيفا مسلولا حتى يغمدني أو يدعني فما زلت معه كذلك حتى قبضه الله تعالى وهو عني راض، والحمد لله وأنا أسعد الناس بذلك. ثم إني وليت أموركم اعلموا أن تلك الشدّة قد تضاعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، وأما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض ]
أقول : وهذه الخطبة موضوعة لم يذكرها أحد من المتقدمين من أئمة الإسلام إنما ذكرها الدميري في حياة الحيوان الكبرى وبينه وبين عمر ثمانية قرون !
وهو أقدم من وقفت عليه وذكرها نقلا عنه عدة من الباحثين  والخبر كذب موضوع بلا شك .
ووقفت على رجل صرف الله همته عما ينفعه وينفع الناس –نسأل الله السلامة -  قام باختصار كتاب العقاد هذا وذكر هذه الخطبة المكذوبة وأنها من فوائد الكتاب العظيمة !

4- قال العقاد : [ كان يمشي ذات يوم وخلفه عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدا له فالتفت فما بقي منهم أحد إلا وحبل ركبتيه ساقط ]
أقول : وهذا كذب واختلاق لا وجود له البتة وأظنه مما عملته يدي العقاد والصحابة وإن كان عمر معروف بالشجاعة والهيبة إلا أنهم أيضاً كانوا شجعانا ولا يخافون لهذه الدرجة ويعرفون من عدل عمر ودينه أنه لا يضرهم إلا بحق فلا وجه للخوف لهذه الدرجة الرهيبة !

5- قال العقاد في صفة عمر  [  يصرع الأقوياء ويروض الفرس بغير ركاب ويتكلم فيسمع منه  ]
أقول : هذا الصفات وإن كانت طيبة لم أر من ذكرها عنه

6- قال العقاد [ سئل بلال : كيف تجدون عمر ؟ قال : خير الناس إلا أنه إذا غضب شيء عظيم ]وأعاده مرة وزاد فيه : [ أما لَو كُنتُ عِندَهُ إِذا غَضِبَ قَرَأتُ عَلَيه القُرآنَ حَتى يَذهَبَ غَضَبُهُ ]
أقول : وهذا الخبر كذب لا يروى إلا من طريق محمد بن عمر الأسلمي الواقدي إخباري كذاب معروف.

7- [ قال وكان في وجهه – يعني عمر – خطان أسودان من البكاء ]
قلت : هذا الخبر رواه الإمام أحمد في الزهد بإسناد معضل يرويه عبد الله بن عيسى وبالكاد أدرك صغار التابعين عن عمر يعني بينه وبين عمر اثنين على الأقل ولم أر من ذكر هذا عن عمر من كبار التابعين
وقد يتسامح بمثله ولكن وجب التنبيه عليه .

8- وذكر العقاد أن عمر قال  : [ من لم ينفعه ظنه لم تنفعه عينه ]
أقول : وهذا الأثر كذب لا وجود له البتة .

9- قال العقاد : [ أبصر – يعني عمر -  أعرابيًّا نازلًا من جبل فقال: هذا رجل مصاب بولده قد نظم فيه شعرًا لو شاء لأسمعكم، ثم قال: يا أعرابي من أين أقبلت? فقال: من أعلى هذا الجبل، قال: وما صنعت فيه? قال: أودعته وديعة لي، قال: وما وديعتك? قال: بني لي هلك قذفته فيه، قال: فأسمعنا مرثيتك فيه فقال: وما يدريك يا أمير المؤمنين? والله ما تفوهت بذلك، وإنما حدثت به نفسي، ثم أنشد:
فالحمد لله لا شريك له ... في حكمه كان ذا وفي قدره
قدر موتًا على العباد فما ... يقدر خلق يزيد في عمره
قال: فبكى عمر حتى بل لحيته, ثم قال: صدقت يا أعرابي ]
أقول : وهذه القصة بهذا التمام كذب لا أصل لها ولا إسناد  ولم يذكرها إلا محب الدين الطبري الذي بينه وبين عمر ستة قرون في كتاب له اسمه  الرياض النضرة

10- ذكر العقاد خبر طويلاً في فراسة عمر رضي الله عنه [ أنه تفرس في عمير بن وهب لما أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم ]
أقول : وهذا الخبر لا يروى إلا من طريق ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير به
ومحمد بن جعفر بن الزبير بالكاد عاصر صغار التابعين والخبر فيه أمور مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح ذكره إلا ببيان ولا يعتمد على مثله  .


يتبع بإذن الله تعالى ....


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |