براءة الحافظ النسائي من اتهام الإمام حماد بن سلمة بالتشبيه



براءة  الحافظ النسائي من اتهام الإمام حماد بن سلمة بالتشبيه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
 أما بعد :


فقد وقفت على كلمة منسوبة للحافظ أحمد بن شعيب النسائي أبو عبد الرحمن صاحب السنن , وهي كلمة منكرة , لا تصدر من مثله إن شاء الله تعالى  وإليك بيان ذلك
يقولون :  في كتاب أبي الوليد الباجي التعديل والتجريح لمن خرج له في الصحيح ( ترجمة حماد بن سلمة )
 قال : سُئِلَ النَّسَائِيّ عَن حَمَّاد بن سَلمَة فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ وَقد كَانَ قبل ذَلِك قَالَ فِيهِ ثِقَة قَالَ الْقَاسِم بن مسْعدَة فكلمته فِيهِ فَقَالَ وَمن يجترئ يتَكَلَّم فِيهِ لم يكن عِنْد الْقطَّان هُنَاكَ وَلكنه روى عَنهُ أَحَادِيث دَاري بهَا أهل الْبَصْرَة ثمَّ جعل يذكر النَّسَائِيّ الْأَحَادِيث الَّتِي انْفَرد بهَا فِي التَّشْبِيه .
كَأَنَّهُ خَافَ أَن يَقُول النَّاس إِنَّه تكلم فِي حَمَّاد من طريقها ثمَّ قَالَ حمقى أَصْحَاب الحَدِيث وَذكر من حَدِيث حَمَّاد مُنْكرا عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة إِذا سمع أحدكُم الْأَذَان والإناء على بده .انتهى

فأقول :
أولا ً : حماد بن سلمة هو إمام من أئمة السنة , ولم ينفرد بأحاديث في التشبيه البتة بل هو علم على السنة من طعن فيه متهم في دينه  .
قال الإمام أحمد : وحماد بن سلمة لا أعلم أحدًا أروى في الرد على أهل البدع منه .انتهى
 
نعم له أخطاء في الحديث من جهة الحفظ وهو أثبت الناس في ثابت اتفاقاً فيما يبدو .

 لكن لم يقل أحد أنه روى أحاديث في التشبيه أو دارى أهل البصرة  , فهذا قريب من اتهامه بالكذب أو بالتدليس , وهذا بعيد جداً من حيث ثبوته أصلاَ ومن حيث ثبوت نسبته إلى النسائي .
ثانياً : الإمام النسائي , لا يعرف عنه الكلام , ولا تأويل الصفات ولا وصف أهل السنة بالتشبيه  , أو شيئاً من هذا فيما وقفت عليه . 

ثالثاً : أخرج النسائي في الكبرى وفي المجتبى أحاديث حماد بن سلمة في أكثر من عشرين موضعاً
 منها حديثين في كتاب النعوت [ الصفات ] ولو كانت هذه الأحاديث عنده منكرة لما خرجها , ولو كان يشك في صدق حماد لما خرج له حديثاً واحداً بلا شك . 

قال الحاكم : سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرة يقول أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. انتهى 

وللدارقطني إطراء كثير للنسائي في معرفة الفن والصحيح من السقيم .

رابعاً : بين أبي الوليد الباجي والنسائي مفاوز فأبو الوليد توفي في 474 هـ  وتوفي النسائي قرابة 303 هـ
فبين وفاتيهما أكثر من مائة وخمسون عاماً فهذا معضل على الصحيح بينهما راويان على الأقل فيما أحسب .
ولا ندري الناقل ثقة أم لا , والأقرب أنه ليس بثقة .

خامساً : القاسم بن مسعدة له ترجمة في تاريخ الأندلس لابن الفرضي , أثنى عليه فيها وذكر أنه سمع النسائي وله معرفة في العلل الرجال , ولم أر من نقل عنه كبير شيء ولا من وثقه ولا من ترجم له غيره أبداً , وإنما الموجود له في الكتب سؤال للنسائي في الفقه فقط يتناقله عامة المصنفين فيه

فانفراد الباجي  والقاسم بهذه الحكاية خصوصاً والباجي أشعري ممن درس الكلام  وتضلع فيه كما يذكرون في تراجمه فمثل هذه الأخبار لا تقبل من هؤلاء وهي منكرة جداً وليس لها أي قرينة تقوم عليها

وقال ابن معين :  [ إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام

قال ابن المديني: [ من سمعتموه يتكلم في حماد فاتهموه

وقال ابن حبان : [ ولم يكن يثلبه في أيامه إلا معتزلي قدري ، أو مبتدع جهمي ، لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة ]

قلت : وقد نقل الذهبي في ميزانه عن محمد بن شجاع الثلجي الجهمي الكذاب المشهور أنه قال كلاماً نحوه وأن حماد كان لا يعرف بهذه الأحاديث ثم جاء من بعد سفر له وقد قام يحدث بها !
وأنه أدخل عليه في كتابه كما رواه الدولابي الحنفي عن ابن الثلجي أيضاً 

وهذه خرافة لا وجود لها إلا في رأس هذا الجهمي ولعلها مثل هذه الخراقة التي أتى بها الباجي ونقلها عنه مغلطاي وغيره والله المستعان 

وكذلك ابن فورك والبيهقي ادعوا أن حمادا تغير في آخر عمره واختلط عليه بعض حديثه ! 
وهذا لم يتفوه به غيرهما أبداً وما رأيت متقدماً ذكره .
 وكذلك قال المعلمي: هذا مما اغتر به البيهقي من شقاشق ابن فورك المتكلم  !

فلقائل أن يقول : لم لا نجد جروح الإمام حماد هذه إلا في كتب الجهمية ومن تبعهم كالأشعرية ؟!
 أليست هذه قرينة قوية على أنهم يتحاملون على الرجل ؟! لبغضهم لحديثه الذي يرويه ؟!

ألم يذكروا في تراجمه أنه اعتنى بأحاديث الصفات ورواها مما يسخن الله به أعين هؤلاء ؟

والعجيب أن عامة هذه الأحاديث رويت من غير طريقه .
 فسبحان الله كيف جرأهم الله عليه ليزيد في أجره ويفضحهم ويبين تناقضهم وتحاملهم.

وقد أجاب المعلمي اليماني عن كثير من هذه الأحاديث – التي ادعوا نكارتها -  بأنها رويت من غير طريق حماد فتأمل العجب

وعوداً على بدء أقول : هذه الحكاية منكرة جداً لا تصح عندي أبداً ولو قالها النسائي حقاً وهو الإمام الذي كان مشايخ الإسلام والحفاظ يجعلونه ينتخب لهم الحديث ويعتنون بكلامه أشد الاعتناء .
لو كان قالها لما خلا منها مصنف بلا شك .
والحمد لله رب العالمين


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |