[ 1 ] تنبيهات حول الحاكم صاحب المستدرك ومؤلفاته وما فيها من أوهام وأخطاء ( الحلقة الأولى )

تنبيهات حول الحاكم صاحب المستدرك
  ومؤلفاته وما فيها من أوهام وأخطاء  ( 1 )

جمع وتعليق :
 عبد الله بن سليمان التميمي
- غفر الله له -
 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد كتب أخي [ عبد الله الخليفي ] قديماً مقالا سماه [ مشكلات إسنادية في مستدرك الحاكم ] وذكر مجموعة من الأمثلة على الأخطاء الإسنادية الغريبة في كتابه هذا
وسأذكر لك ملخصاً لما كتبه في هذا الجزء بإذن الله تعالى
وكتاب الحاكم الذي كان يسميه بعض الناس [ المستترك ] وما أبعد في هذه التسمية , فيه كثير من الأوهام والأخطاء التي لا تخفى على باحث في الحديث النبوي
وقد كنت جمعت مقالا في أوهام الحاكم التي نبه عليها ابن حجر العسقلاني في كتابه [ التلخيص الحبير ] [ انظره من هنا ] .
وكذلك تعقبات وتنبيهات ابن رجب الحنبلي على الحاكم صاحب المستدرك [ انظره من هنا ]
وقد ألف أحد المعاصرين كتاباً سماه [ الانتباه لما قال الحاكم ولم يخرجاه وهو في أحدهما أو روياه ]
 فبلغ عدد الأحاديث التي وهم فيها الحاكم في هذا الباب [  529 ] حديثا
وقد جمع غيره وزاد عليه .
حتى قال الوادعي في مقدمة الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين :
 وأنا بحمد الله تعالى أتتبع أوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي ,لعلها قد بلغت الألفين .انتهى

وألف عبد الغني بن سعيد كتاباً في أوهامه في كتاب المدخل وقد طبع جزء منه وهو لدي مخطوط أيضاً فلعل الله ييسر ونعيد تحقيقه والتعليق عليه بإذن الله تعالى
وقد اعتذر بعض الناس أن كتابه هذا مسودة وأنه لم يتمه أو لم ينقحه أو أنه كتبه في أوائل الطلب ومن هذا أو نحوه .
واعتذر  بعضهم بأنه لم يملي أكثر الكتاب إنما أجازه وهذا ذكروا فيه أدلة – أقصد أنه لم يمله كاملاً – أقواها قول البيهقي في بعض كتبه هذا مما لم يمله شيخنا أو نحوا من هذه العبارة
 لكن هذه القراءة والإملاء لن تغير في الكتاب كبير شيء والله أعلم  , وسيتأكد الباحث بعد قراءة هذا الجزء بإذن الله تعالى أن الرجل هذه طريقته وهذا دأبه من قبل ومن بعد .
فمن خلال كتابة [ معرفة علوم الحديث ] تأكدت من أوهام هذا الرجل ومجازفاته التي لا تبعد عن مجازفاته في المستدرك بل ما في كتاب المعرفة أساس لما في المستدرك من خلل والله أعلم .
ويتلخص البحث في نقاط أهمها :
1- ذكر ادعاءات وإجماعات واهية لا تصح بحال ولا حقيقة لها .
2- خلط وغرائب حتى في الأنساب والأمور الواضحة  !
3- شحن كتابه الذي ألفه لطالب الحديث ليبدأ به ويتخذه قاعدة بالأحاديث الواهية  والأباطيل
4- ذكره لأحاديث وبواطيل الشيعة بمناسبة وبغير مناسبة .
حتى ذكر في الأخبار المشهورة التي يحرص عليها الناس [ حديث الطير ] ! وهو مكذوب , وذكر في الأحاديث التي عليها مدار الإسلام [ تقتلك الفئة الباغية ] ! وسأذكر لك هذا في موضعه
5- تناقضات في باب الجرح والتعديل .
6- أوهام في رواة ذكر أنهم لم يخرج لهم في الصحيح , والعكس  , وغير ذلك .
وقبل البدء في سرد هذه الأخبار من كتابه مع تعليق يسير عليها أو التنبيه على أمرين :
الأول : التفخيم في الألقاب عند المتأخرين كالذهبي وغيره , فيصفون هذا الرجل أو غيره بالحفظ والإتقان والمعرفة التامة , والأمر في كتبه على خلاف ما يقولون تماماً  , بل ذهبوا أبعد من ذلك فهم يصفون من شحن كتبه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كالغزالي بالإمام
 وقد ألفت ثلاث كتب أو أكثر فيما ذكره الغزالي وليس له أصل  فأي إمامة هذه ؟
 أو الجويني الذي لا يفقه في الحديث كبير شيء حتى قال شيخ الإسلام أنه ألف كتاباً في المذهب ليس فيه حديث واحد في الصحيح إلا حديث واحد عزاه للصحيح وهماً !! أو نحوا من هذا الكلام .
الأمر الآخر : تجد كثير من الناس يمدح هذا الرجل من غير معرفة به ولا قراءة لكتبه إنما هو تقليد للغير أو اتباعا لقواعد العصر فكل من ألف فهو إمام وكل من كتب في علوم الآلة فهو إمام , فإذا جاء باحث وأظهر الصواب في هذا القائل أو القول , قالوا بلسان الحال [ إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ] وهؤلاء ليس لنا عليهم سبيل , فقط نسأل الله عزوجل أن يهديهم ولو أعطوا نفسهم الفرصة ورجعوا لما كان عليه السلف لأراحوا واستراحوا , والله المستعان .
* فصل فيما قيل في الحاكم من الذم خصوصاً في كتابه المستدرك
1- قال الذهبي في سير أعلام النبلاء [ 16/ 373 ] :
 قال ابن البيع : وسمعت أبا أحمد يقول : سمعت أبا الحسين الغازي ، يقول : سمعت عمرو بن علي ، سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : عجبا من أيوب السختياني يدع ثابتا البناني لا يكتب عنه !
 قيل : إن بعض العلماء نازعه أبو عبد الله بن البيع في عمر بن زرارة، وعمرو بن زرارة النيسابوري.
 وقال: هما واحد ، قال : فقلت لابي أحمد الحاكم : ما تقول فيمن جعلهما واحدا ؟
 فقال: من هذا الطبل ؟! .انتهى
أقول : الطبل المقصود هنا هو الحاكم فقد جعلهما واحد وهما راويان .

2- قال الخطيب في تاريخ بغداد [ آخر ترجمة الحاكم ] :
حَدَّثَنِي بعض أصحابنا عن أبي الفضل ابن الفلكي الهمذاني، وكان رحل إلى نيسابور وأقام بها، أنه قَالَ: كان كتاب تاريخ النيسابوريين الذي صنفه الحاكم أبو عبد الله ابن البيع، أحد ما رحلت إلى نيسابور بسببه، وكان ابن البيع يميل إلى التشيع .
فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور، وكان شيخا صالحا فاضلا عالما، قَالَ:
جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم، يلزمهما إخراجها في صحيحيهما، منها حديث الطائر، و من كنت مولاه فعلي مولاه فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوبوه في فعله .انتهى
أقول : وهذا شهادة أن أصحاب الحديث أنكروا على الحاكم كتابه وما أورده من أحاديث .

3- قال ابن طاهر في [ شروط الأئمة الستة  ص 15 ] : إلا أن الاشتغال بنقض كلام الحاكم لا يفيد فائدة وله في سائر كتبه مثل هذا الكثير عفا الله عنا وعنه .انتهى
أقول : وهذا أيضاً يفيدك أن الأمر كان مشهوراً جداً وأن الرجل صاحب أوهام كثيرة جداً لدرجة أن هذا الرجل يرى الاشتغال بها مضيعة للوقت لا تفيد !

4- قال الزيلعي في [ نصب الراية 1 / 341 ] : ومن أكثرهم تساهلا الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك . انتهى
أقول : والأمر ليس تساهلاً بل هي أوهام ومجازفات عجيبة , ولكن بعض الناس يظنه تساهلاً .
ففرق بين أن أقول متساهلا : [ هذا حديث صحيح ] , وبين أن أقول [ هذا على شرط مسلم أو البخاري أو على شرطهما ولم يخرجاه  ] , وهو إما ليس على شرطهما وإما أنهما خرجاه ,
ويتكرر هذا في مئات الأحاديث ! فالتساهل مسألة وهذه مسألة أخرى
وفرق أن أقول متساهلاً [ فلان ثقة ] أو [ صالح ] أو [ مقبول ] أو .. أو ...
وبين أن أقول [ فلان ثقة ]  ثم أذكره في الضعفاء !! أو أنقل الاجماع على ضعفه أو أكذبه ثم أقول عن حديثه : هذا حديث على شرطهما ! , فالأولى مسألة , والثانية مسألة أخرى .

5-  قال ابن القطان  وذكر الحاكم : له كتب كثيرة وقد نسب إلى الغفلة . انتهى
أقول : وتأمل ما قيل فيه  : [ غفلة ] [ أوهام كثيرة ] [ طبل ] [ تتبعه لا يفيد ] إلى آخره .

6- قال شيخ الإسلام [ مسألة البسملة ص 128 ] :
 فَيُعْلَمُ أَوَّلًا : أَنَّ تَصْحِيحَ الْحَاكِمِ وَحْدَهُ وَتَوْثِيقَهُ وَحْدَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ فِيمَا دُونَ هَذَا؛ فَكَيْفَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعَارَضُ فِيهِ بِتَوْثِيقِ الْحَاكِمِ ؟!
وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى خِلَافِهِ.
 وَمَنْ لَهُ أَدْنَى خِبْرَةٍ فِي الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ لَا يُعَارِضُ بِتَوْثِيقِ الْحَاكِمِ مَا قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ خِلَافُهُ.
 فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ فِيهِ مِنْ التَّسَاهُلِ وَالتَّسَامُحِ فِي بَابِ التَّصْحِيحِ، حَتَّى أَنَّ تَصْحِيحَهُ دُونَ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَمْثَالِهِمَا بِلَا نِزَاعٍ.
فَكَيْفَ بِتَصْحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. بَلْ تَصْحِيحُهُ دُونَ تَصْحِيحِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ الْبُسْتِيِّ، وَأَمْثَالِهِمَا.
 بَلْ تَصْحِيحُ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيَّ فِي مُخْتَارِهِ خَيْرٌ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ فَكِتَابُهُ فِي هَذَا الْبَابِ خَيْرٌ مِنْ كِتَابِ الْحَاكِمِ بِلَا رَيْبٍ، عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُ الْحَدِيثَ، وَتَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ أَحْيَانًا يَكُونُ مِثْلَ تَصْحِيحِهِ أَوْ أَرْجَحَ، وَكَثِيرًا مَا يُصَحِّحُ الْحَاكِمُ أَحَادِيثَ يَجْزِمُ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا
أقول : وتأمل الاجماع الذي ينقله شيخ الإسلام في هذا

7- قال شيخ الإسلام في [ قاعدة جليلة ص 182 ] : وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله، فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث
وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث.
كما صحح [ حديث زريب بن ثرملا ]  الذي فيه ذكر وصي المسيح، وهو كذب باتفاق أهل المعرفة كما بين ذلك البيهقي , وابن الجوزي  , وغيرهما .
وكذلك أحاديث كثيرة في مستدركه يصححها، وهي عند أئمة أهل العلم بالحديث موضوعة.
ومنها ما يكون موقوفاً يرفعه. [ قلت التميمي : تأمل هذه جيداً فإنها دقيقة جداً ]
ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم، وإن كان غالب ما يصححه فهو صحيح، لكن هو في المصححين بمنزلة الثقة الذي يكثر غلطه، وإن كان الصواب أغلب عليه. وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه.
بخلاف أبي حاتم بن حبان البستي ، فإن تصحيحه فوق تصحيح الحاكم وأجل قدراً.
وكذلك تصحيح الترمذي والدارقطني وابن خزيمة وابن منده وأمثالهم فيمن يصحح الحديث، فإن هؤلاء وإن كان في بعض ما ينقلونه نزاع، فهم أتقن في هذا الباب من الحاكم . انتهى
قلت : وقد يتعقب الشيخ في أمر الدارقطني فهو أجل من هؤلاء الذين ذكرهم – أقصد ابن خزيمة وابن مندة وابن حبان وهؤلاء -  وإن كان الدارقطني له تصحيحات وتحسينات في السنن تحتاج سبر ودراسة والله أعلم .

8- قال شيخ الإسلام في الأخنائية [ ص 104 ] : ليس هو مثل تصحيح الحاكم، فإن فيه أحاديث كثيرة يظهر أنها كذب موضوعة، فلهذا انحطّت درجته عن درجة غيره. انتهى

9- قال ابن القيم في [ المنار المنيف ص4 ] وهو يتكلم عن حديث فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا قال :
 وقد أخرجه الحاكم في صحيحه وقال هو صحيح على شرط مسلم ، وما صنع الحاكم شيئا ، فإن مسلماً لم يرو في كتابه بهذا الاسناد حديثا واحدا ، ولا احتج بابن اسحاق وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد وأما أن يكون ذكر ابن إسحاق عن الزهري من شرط مسلم فلا ، وهذا وأمثاله هو الذي شان كتابه ووضعه ، وجعل تصحيحه دون تحسين غيره . انتهى

10- قال ابن القيم في [ الفروسية ص 185 ] : وَأما تَصْحِيح الْحَاكِم ,  فَكَمَا قَالَ الْقَائِل
فأصبحتُ من ليلى الْغَدَاة كقابض ... على المَاء خانته فروج الْأَصَابِعِ..!
وَلَا يعبأ الْحفاظ أطباء علل الحَدِيث بتصحيح الْحَاكِم شَيْئا وَلَا يرفعون بِهِ رَأْسا الْبَتَّةَ .
بل لَا  يعدل  تَصْحِيحه  وَلَا يدل  على حسن الحَدِيث بل يصحح أَشْيَاء مَوْضُوعَة بِلَا شكّ عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ .
وَإِن كَانَ من لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ لَا يعرف ذَلِك فَلَيْسَ بمعيار على سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يعبأ أهل الحَدِيث بِهِ شَيْئا
وَالْحَاكِم نَفسه يصحح أَحَادِيث جمَاعَة وَقد أخبر فِي كتاب الْمدْخل لَهُ أَن لَا يحْتَج بهم  !
وَأطلق الْكَذِب على بَعضهم  !!
هَذَا مَعَ أَن مُسْتَند تَصْحِيحه ظَاهر سَنَده وَأَن رُوَاته ثِقَات وَلِهَذَا قَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
وقال بعدها : فَكيف وَلم يُصَحِّحهُ إِلَّا من تَصْحِيحه كَالْقَبْضِ على المَاء وَقد عهد مِنْهُ تَصْحِيح الموضوعات وَهُوَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَله فِي مُسْتَدْركه مَا شَاءَ الله من الاحاديث الْمَوْضُوعَة قد صححها.
وَقد ذكر الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي كتاب المادح والممدوح لَهُ أَن أَبَا الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ لما وقف عَلَيْهِ أنكرهُ وَقَالَ يسْتَدرك عَلَيْهِمَا حَدِيث الطير فَبلغ ذَلِك الْحَاكِم فَضرب عَلَيْهِ من كِتَابه .
[ قلت التميمي ] : أنكر بعض الناس هذه الحكاية وأثبت وفاة الدارقطني حينما أخرج الحاكم كتابه , وأن حديث الطير موجود في كل نسخه فأين هذا الضرب ؟ ,  والله أعلم  .
ثم قال ابن القيم : وَذكر عَن بعض الْأَئِمَّة الْحفاظ أَنه لما وقف عَلَيْهِ قَالَ لَيْسَ فِيهِ حَدِيث وَاحِد يسْتَدرك عَلَيْهِمَا وَبِالْجُمْلَةِ فتصحيح الْحَاكِم لَا يُسْتَفَاد مِنْهُ حسن الحَدِيث أَلْبَتَّه فضلا عَن صِحَّته
وذكر حديثاً واهيا ثم قال : الْحَاكِم لم يَنْقُلهُ مَعَ فرط تساهله .انتهى
أقول : وانظر ما في هذا الكلام من الدقة والبيان .
11- قال ابن عبد الهادي في [ الصارم المنكي ص 84  ] :
لما جمع المستدرك على الشيخين ذكر فيه من الأحاديث الضعيفة والمنكرة بل والموضوعة جملة كثيرة، وروى فيه لجماعة من المجروحين الذين ذكرهم في كتابه في الضعفاء وذكر أنه تبين له جرحهم، وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة هذا الفعل، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره ; فلذلك وقع منه ما وقع وليس ذلك ببعيد .انتهى
أقول : وموضوع التغير والغفلة في آخر عمره ما رأيت متقدماً نص عليه .

12- قال ابن عبدالهادي في الصارم المنكي [ ص 31 ] وهو يتكلم عن تصحيح الحاكم وتضعيفه لنفس راوي الخبر  : وقد أخطأ الحاكم في تصحيحه وتناقض تناقضاً فاحشاً .انتهى
13 – قال الذهبي عنه في ميزان الاعتدال [ 3 / 608 ] :  إمام صدوق , لكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة ويكثر من ذلك , فما هو ممن يجهل ذلك , وإن علم فهذه خيانة عظيمة . انتهى
14- قال ابن حجر  [ إتحاف المهرة 1/510 ] :  أظنه في حال تصنيف المستدرك كان يتكل على حفظه، فلأجل هذا كثرت أوهامه . انتهى

15- قال ابن حجر في النكت على ابن الصلاح (1/312)
- قوله (ص) في ذكر المستدرك للحاكم : (( وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن نتوسط في أمره ... )) إلى آخر كلامه .
[ زعم الماليني أنه ليس في المستدرك حديث على شرط الشخين : ]
أقول – ابن حجر -  : حكى الحافظ أبو عبد الله الذهبي عن أبي سعد الماليني أنه قال : [ طالعت المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره فلم أر فيه حديثاً على شرطهما ].
وقرأت بخط بعض الأئمة أنه رأى بخط عبد الله بن زيادن المسكي قال : [  أملى على الحافظ أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي سنة خمس وتسعين وخمسمائة قال :
 نظرت إلى وقت إملائي عليك هذا الكلام فلم أجد حديثاً على شرط البخاري ومسلم لم يخرجاه إلا  ( ثلاث ) أحاديث :
1- حديث أنس [  يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ]
2- وحديث [ الحجاج بن علاط لما أسلم  ] .
3- وحديث علي ـ رضي الله عنه ـ [  لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع ] . انتهى
[ قلت التميمي ] : تأمل أن الحافظ عبد الغني لم يجد على شرطهما إلا ثلاث أحاديث !!
ثم قال ابن حجر : وتعقب الذهبي قول الماليني فقال :
 هذا غلو وإسراف وإلا ففي المستدرك جملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما وهو قدر النصف . وفيه نحو الربع مما صح مسنده أو حسن . وفيه بعض العلل . وباقيه مناكير وفي بعضها موضوعات قد أفردتها في جزء انتهى كلامه .
قال ابن حجر : وهو كلام مجمل يحتاج إلى أيضاح وتبيين . من الإيضاح أنه ليس أنه جميعه كما قال ، فنقول :
(أ) ينقسم المستدرك أقساماً كل قسم منها يمكن تقسيمه :
1- الأول : أن يكون إسناد الحديث الذي يخرجه محتجاً برواته في الصحيحين أو أحدهما على صورة الاجتماع سالماً من العلل واحترزنا بقولنا على صورة الاجتماع عما احتجا برواته على صورة الانفراد . كسفيان بن حسين عن الزهري ، فإنهما احتجا بكل منهما على الانفراد ، ولم يحتجا برواية سفيان بن حسين عن الزهري ، لأن سماعه من الزهري ضعيف لا يقال دون بقية مشايخه .
فإذا وجد من روايته عن الزهري لا يقال على شرط الشيخين . لأنهما بكل منهما .
بل لا يكون على شرطهما إلا إذا احتجا بكل منهما على صورة الاجتماع .
 وكذا إذا كان الإسناد قد احتج كل منهما برجل منه ولم يحتج بآخر منه كالحديث الذي يروى عن طريق شعبة مثلاً عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ
فإن مسلماً احتج بحديث سماك إذا كان من رواية الثقات عنه ولم يحتج بعكرمة واحتج البخاري بعكرمة دون سماك ، فلا يكون الإسناد والحالة هذه على شرطهما حتى يجتمع فيه صورة الاجتماع .
وقد صرح بذلك الإمام أبو الفتح القشيري وغيره .
واحترزت بقولي أن يكون سالماً من العلل بجميع رواته على صورة الاجتماع إلا أن فيهم من وصف بالتدليس أو اختلط في آخر عمره فإنا نعلم في الجملة أن الشيخين لم يخرجا من رواية المدلسين بالعنعنة إلا ما تحققا أنه مسموع لهم من جهة أخرى
وكذا لم يخرجا من حديث المختلطين عمن سمع منهم بعد الاختلاط إلا ما تحققا أنه من صحيح حديثهم قبل الاختلاط .
 فإذا كان كذلك لم يجز الحكم للحديث الذي فيه مدلس قد عنعنه أو شيخ سمع ممن اختلط بعد اختلاطه ، بأنه على شرطهما وإن كانا قد أخرجا ذلك الإسناد بعينه .
إلا إذا صرح المدلس من جهة أخرى بالسماع وصح أن الراوي سمع من شيخه قبل اختلاطه ، فهذا القسم يوصف بكونه على شرطهما أو على شرط أحدهما .
[ قلت التميمي ] : وهذا الذي ذكره ابن حجر غير متحقق في كتاب الحاكم والله أعلم , وهو معنى قول الناس ليس فيه حديث على شرطهما [ يعني برسم الإسناد مع تحقق الشروط وانتفاء العلة ]
ثم قال ابن حجر : ولا يوجد في المستدرك حديث بهذه الشروط لم يخرجا له نظيراً أو أصلاً إلا القليل كما قدمناه  , نعم وفيه جملة مستكثرة بهذه الشروط ، لكنها مما أخرجها الشيخان أو أحدهما ـ استدركها الحاكم واهماً في ذلك ظاناً أنهما لم يخرجاها .
[ قلت التميمي ] : هذا الكلام دقيق جداً وهو خير من دفع الذهبي بالصدر .
ثم قال ابن حجر : (ب) القسم الثاني : أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته لا على سبيل الاحتجاج بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقروناً بغيره .
ويلتحق بذلك ما إذا أخرجا لرجل وتجنباً ما تفرد به أو ما خالف فيه .
كما أخرج مسلم من نسخه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ ما لم يتفرد به .
فلا يحسن أن يقال : إن باقي النسخة على شرط مسلم ، لأنه ما خرج بعضها إلا بعد أن تبين أن ذلك مما لم ينفرد به . فما كان بهذه المثابة لا يلتحق أفراده بشرطهما .
وقد عقد الحاكم في كتاب المدخل باباً مستقلاً ذكر فيه من أخرج له الشيخان في المتابعات وعدد ما أخرجا من ذلك .
 ثم أنه مع هذا الاطلاع يخرج أحاديث هؤلاء في المستدرك زاعماً أنها على شرطهما !!
ولا شك في نزول أحاديثهم عن درجة الصحيح بل ربما كان فيها الشاذ والضعيف لكن أكثرها لا ينزل عن درجة الحسن .
[ قلت التميمي ] : هذا الكلام على أصول المتأخرين بقولهم لا ينزل عن رتبة كذا , والأمر يدور بالقرائن فقد يكون حديث الثقة موضوعاً إذا ثبت بالقرائن خطأه وأنه ركب إسناد على متن وهذا يعرفه المتخصص لا يعلم بالأهواء ولا بالقواعد التي بنيت على خلاف منهج أهل النقد ممن تقدم   , وإنما يعلم بإدامة النظر في كتب أئمة الشأن ومداومة المذاكرة والمراجعة .
ثم قال ابن حجر : والحاكم وإن كان ممن لا يفرق بين الصحيح والحسن بل يجعل الجميع صحيحاً تبعاً لمشايخه كما قدمناه عن ابن خزيمة وابن حبان . فإنما يناقش في دعواه أن أحاديث هؤلاء على شرط الشيخين أو أحدهما . وهذا القسم هو عمدة الكتاب .
[ قلت التميمي ] : وكونه صحيحاً أو حسنا على أصوله أو أصول مشايخه لا يجعله على شرطهما أو شرط أحدهما أبداً , وكيف الحاكم نفسه قد قال أن الحديث إذا كان على شرطهما ولم يخرجاه فابحث له عن علة ! كما سأنقل لك نصه بإذن الله .
ثم قال ابن حجر : (ج) القسم الثالث : أن يكون الإسناد لم يخرجا له لا في الاحتجاج ولا في المتابعات . وهذا قد أكثر منه الحاكم فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصححها .
 لكن لا يدعي أنها على شرط واحد منهما وربما ادعى ذلك على سبيل الوهم [ قلت التميمي : وهذا كثير كما تقدم معك ]
 وكثير منها يعلق القول بصحتها على سلامتها من بعض رواتها . كالحديث الذي أخرجه من طريق الليث عن إسحاق بن بزرج عن الحسن بن علي في التزين للعيد . قال في أثره :[  لولا جهالة إسحاق لحكمت بصحته ]
وكثير منها لا يتعرض للكلام عليه أصلاً  , ومن هنا دخلت الآفة كثيراً فيما صححه .
وقل أن تجد في هذا القسم حديثاً يلتحق بدرجة الصحيح فضلاً عن أن يرتفع إلى درجة الشيخين ـ والله أعلم ـ !!
ومن عجب ما وقع للحاكم أنه أخرج لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال ـ بعد روايته :
هذا صحيح الإسناد ، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن .
 مع أنه قال  في كتابه الذي جمعه في الضعفاء : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه .
[ قلت التميمي ] : تأمل هذا التناقض الفاحش !
ثم قال ابن حجر : وقال في آخر هذا الكتاب : فهؤلاء الذي ذكرتهم قد ظهر عندي جرحهم ، لأن الجرح لا أستحله تقليداً . انتهى كلامه
فكان هذا من عجائب ما وقع له من التساهل والغفلة .
ومن هنا يتبين صحة ( قول ابن الأخرم التي قدمناها ) . وأن قول المؤلف أن يصفوا له منه صحيح كثير ـ غير جيد بل هو قليل بالنسبة إلى أحاديث الكتابين لأن المكرر يقرب من ستة الآف .
والذي يسلم من المستدرك على شرطهما أو شرط أحدهما مع الاعتبار الذي حررناه دون الألف فهو
قليل بالنسبة إلى ما في الكتابين ـ والله أعلم ـ .
[ قلت التميمي ] : وقوله أقل من الألف بعيد جداً بل لا يكاد يصفو له شيء أبداً على شرطهما فهذا الحافظ الدارقطني على سعة اطلاعه وقوة معرفته بالعلل لم يستدرك على الشيخين كبير شيء , فكيف برجل مثل الحاكم !! فتأمل
ثم قال ابن حجر : 8- قوله (ع) : وكلام الحاكم مخالف لما فهموه ( يعني ابن الصلاح وابن دقيق العيد والذهبي ) من أنهم يعترضون على تصحيحه على شرط الشيخين أو أحدهما ، بأن البخاري ـ مثلاً ـ ما أخرج لفلان وكلام الحاكم ظاهر أنه لا يتقيد بذلك حتى يتعقب به عليه .
قلت : لكن تصرف الحاكم يقوي أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما شيخنا ـ رحمه الله تعالى ـ
فإنه إذا كان عنده الحديث [ قد ] أخرجا أو أحدهما لرواته قال : صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال : صحيح الإسناد فحسب .
ويوضح ذلك قوله ـ في باب التوبة ـ لما أورد حديث أبي عثمان عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً [ لا تنزع الرحمة إلا من شقي ]  قال : هذا حديث صحيح الإسناد  وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي ولو كان هو النهدي لحكمت بالحديث على شرط الشيخين .
فدل هذا على أنه إذا لم يخرجا رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما وهو عين ما ادعى ابن دقيق العيد وغيره .
وإن كان الحاكم قد يغفل عن هذا بعض الأحيان ، فيصبح على شرطهما بعض ما لم يخرجا لبعض رواته ، فيحمل ذلك على السهو والنسيان ويتوجه به حينئذ عليه الاعتراض . والله أعلم .انتهى كلام ابن حجر
[ قلت التميمي ] : تعليقه على كلام الذهبي جيد جداً في الجملة لذلك أثبته هاهنا إلزاماً وإلا فابن حجر نفسه يريد من يتفرغ ويفند كتبه في المصطلح ويتعقب ما فيها من أخطاء ومخالفة للمتقدمين من أهل الحديث وأئمة علم العلل وأطباءه .
16-  قال ابن رجب الحنبلي في [ فضل علم السلف  ص24 وما بعدها ]:
وقد صنف في الصحيح مصنفات أُخر بعد صحيحي الشيخين ، لكن لا تبلغ كتابي الشيخين ، ولهذا أنكر العلماء على من استدرك عليهما الكتاب الذي سماه المستدرك .
وبالغ بعض الحفاظ فزعم أنه ليس فيه حديث واحد على شرطهما ، وخالفه غيره وقال : يصفو منه حديث كثير صحيح .
والتحقيق : أنه يصفو منه صحيح كثير على غير شرطهما ، بل على شرط أبي عيسى ونحوه .
 وأما على شرطهما فلا .
فقل حديث تركاه إلا وله علة خفية ، لكن لعزة من يعرف العلل كمعرفتهما وينقده وكونه لا يتهيأ الواحد من منهم إلا في الأعصار المتباعدة ؛ صار الأمر في ذلك إلى الاعتماد على كتابيهما والوثوق بهما والرجع إليهما ، ثم بعدهما على بقية الكتب المشار إليها  , ولم يقبل من أحد بعد ذلك الصحيح والضعيف إلا عمن اشتهر حذقه ومعرفته بهذا الفن واطلاعه عليه ، وهم قليل جدا ، وأما سائر الناس فإنهم يعولون على هذه الكتب المشار إليها ، ويكتفون بالعزو إليها .انتهى
قلت : قوله يصفو له على شرط غيرهما خارج عن موطن النزاع فإن النزاع في جزمه أنه على شرطهما فتنبه
وهنا تنبيه : قول الذهبي وغيره : أنه يصفو له ثلث الكتاب أو ربعه وقال هو أو غيره نصفه , مجازفة ولعل الذهبي قالها قبل أن يتتبعه بالتلخيص , وأدل ما يدل على أنه مجازفة
أين هذا النصف  أو الربع أو الثلث الذي يصفو ؟
اذكروا لنا هذه الأحاديث الكثيرة التي على رسم الشيخين وعلى شرطهما وسلمت من الشذوذ والعلة والمخالفة ؟!
والماليني وابن حجر وابن رجب وعبد الغني أربعة من أوسع الناس اطلاعاً زعموا أنه ليس يصفو له كبير شيء وهو كما قالوا بلا شك .
وهنا فوائد :
( 1 ) قال الذهبي : ليته لم يصنف المستدرك فإنه غض من فضائله بسوء تصرفه !
أقول : فهل كتاب يصفو له النصف على شرطهما أو شرط أحدهما وربع على الصحة يقال فيه ليته لم يصنفه ! , ولكن الذهبي له عادة إذا جُرحَ أحد يدافع مباشرة والأصل عنده الدفاع ومن نظر في سيره وتاريخه عرف ذلك   ,إنما الكلمة الأولى كانت على عادته في الدفاع والثانية كانت كلمة حق أنطقه الله بها .
( 2) قال ابن كثير  في إرشاد الفقيه إلى أدلة التنبيه [1/242] :  وقد استدرك الحفاظ على مستدرك الحاكم أشياء كثيرة . انتهى
وهنا أن الناس كانوا يستدركون ويردون عليه .

(3) ذكر ابن رجب في فتح الباري [ 1 / 363 ] الذي يصححون على طريقة الفقهاء في أن كل حديث رواته ثقات صحيح عندهم , وذكر منهم الحاكم , وقد يناقش في هذا الإطلاق إلا أنه لا يبعد .
يتبع ...


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |