[ خطبة ( 1 ) ] أهمية ذكر الله عزوجل ...


الحمد لله الذي يذكر من ذكره , ويشكر من شكره , ويجازي من أطاعه بجنة منه ورضوان , ويعاقب من عصاه بعذاب شديد وخسران
الحمد لله الذي ذكر عباده المؤمنين وبين صفتهم فقال { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ }
ووصفهم سبحانه فقال { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ }
قال التابعي الإمام مجاهد – تلميذ ابن عباس : [ لا يكون العبد من الذاكرين لله كثيراً , حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعا ]
وكان التابعي قتادة يقول : [  هذه حالاتك كلها يابن آدم , اذكر الله وأنت قائم , فإن لم تستطع فاذكره وأنت قاعد , فإن لم تسطتع فاذكر الله وأنت على جنبك , يُسرٌ من الله وتخفيف ]

والحمد لله الذي قال مخاطباً عباده { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ }
وقال جل وعلا في الحديث الإلهي : [ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ] وكفى بهذه المنزلة عزاً وشرفاً للذاكرين الله كثيراً والذاكرات

فجعل الله عزوجل ذكره من صفات عباده المخلصين , كما مر في هذه الآيات والآثار
 وجعل قلة الذكر أو عدمه من علامات المنافقين والمرتابين فقال : { وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا }
وكان أبو الدرداء يحذر الناس فيقول : [ أرضيتم إن شبعتم عاماً , ثم عاماً , لا تذكرون الله إلا دسماً - يعني قليلا ] يحذرهم من هذه الحال , نعوذ بالله من الخذلان

ومن أهمية الذكر وأنه علامة المحبة جعل الله عزوجل لعباده أذكاراً وأوراداً يومية يقولها ويتحصن بها
فشرع له أذكاراً  حين يستيقظ من نومه , وأذكاراً للصباح , وأذكاراً للمساء , وذكراً لدخول بيته وللخروج منه , وذكراً لدخول المسجد وللخروج منه , وذكراً لركوب دابته , وذكراً بعد الصلاة , وذكراً لدخول الخلاء وللخروج منه , وذكراً قبل النوم وبعده , وذكراً لنزول المنزل الجديد , وشرع له الأذكار قبل بعض العبادات وبعدها وأثناء أداءها , وغير ذلك من الأذكار والأدعية المأثورة مما جاءت بها الأحاديث والآثار

والذكر حياة القلوب , وشفاؤها , ومنقيها من الهموم والوساوس والشكوك وهو الفارق بين الموت والحياة
قال صلى الله عليه وسلم : [مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ] رواه البخاري
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [ القلب إنما خُلق لذكر الله عزوجل  ].
مراده رحمه الله أن القلب الذي لا يذكر الله كالقلب الميت الذي لا فائدة فيه مصداقاً لهذا الحديث

وكان صلى الله عليه وسلم : [ يذكر الله عزوجل على كل أحيانه ] حرصاً منه على الذكر وتشريعاً لأمته أن يقتدوا به صلى الله عليه وسلم فيذكرون الله عزوجل على كل حال

وقال تعالى في ذكر صفة الشيطان { الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ }
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهم : [ الشيطان جاثم على قلب ابن آدم , فإذا سها وغفل وسوس , وإذا ذكر الله خنس ]
والذكر كله خير وبركة ومنفعة للعبد في الدنيا والآخرة , وهو ذكر باللسان والقلب والعمل
قال  التابعي الجليل بلال بن سعد : [  الذكر ذكران : ذكر الله باللسان , (وهو ) حسن جميل , وذكر العبد لله , عند ما أحل وحرم , ( وهو ) أفضل ]

والدنيا كلها خلقت لهذه الغاية وهي عبادة الله وذكره وإعلاء كلمته ولولا هذه الغاية العظيمة الكبيرة والأمانة التي حملها الإنسان لفسدت الأرض ومن فيها

كان التابعي قتادة يقول : [ والله ما نسي قوم ذكر الله عزوجل إلا باروا وفسدوا ]
وكان الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه يقول : [ الدنيا ملعونة  , ملعون ما فيها , إلا ما كان من ذكر الله أو آوى إلى ذكر الله ( تعالى ) ] وروي معناه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي ثبوته نظر

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول [ الذكر للقلب مثل الماء للسمك , فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء ]
وقال تعالى : { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا }
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وغيرهم من أئمة التفسير : [ الباقيات الصالحات : سبحان الله , والحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر ]
أي أن ذكر الله عزوجل خير من المال والبنون والدنيا في المآل والخاتمة وإن كان في كلٍّ منها باب للخير

وكان الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود يقول : [ لأن أقول : سبحان الله , والحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر , أحبُّ إليّ من أن أتصدق بعددها دنانير ( يعني ذهباً ) ]
ومجالس الذكر تغشاها الرحمة وتحفها الملائكة وهي من الأمان لأهل الأرض فإذا ذكروا الله عزوجل ذكرهم
وكان التابعي الجليل عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يقول : [ مجالس الذكر شفاء القلوب ]
وكان رحمه الله يقول : [ ذكر الله , صقال القلوب ] يعني يصقلها وينقيها
وكان رحمه الله تعالى يقول : [ لولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس ] وهذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله ]
وكان عون رحمه الله تعالى يقول : [ ذكر الله في الغافلين كالذي يقاتل في خلف الفئة المنهزمة ] يعني يقاتل حين يفر المقاتلين ويهربون وهو يدافع عنهم
ولذكر الله عزوجل فوائد كثيرة وكبيرة فمنها :
أنه يطرد الشيطان ويقمعه
وأنه يرضي الله عزوجل
وأنه يزيل الهم والغم والحزن , ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط ويجعل الإنسان يأنس بالله عزوجل
والذكر يقوي القلب والبدن , وينور الوجه والقلب
والذكر يجلب الرزق  , ويجعل ذاكرة الإنسان قوية مستحضرة وقد جرب هذا العلماء فوجدوه
والذكر يورث محبة العبد لله , ومحبة الله للعبد
والذكر يورث المراقبة لله عزوجل , حتى يدخل المسلم في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ,

والذكر زاد الطريق إلى الله عزوجل
والذكر يورث الخوف والإنابة والخشوع واستحضار قرب الله عزوجل من عباده فيورث الهيبة والخوف من الله عزوجل بخلاف الغافل الذي لا يذكر ربه جل وعلا
والذكر يحط الخطايا ويزيل الذنوب , وأن العبد إذا ذكر الله في الرخاء ذكره الله في الشدة
قال الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه :
[ إذَا كَانَ الْعَبْدُ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَيَحْمَدُهُ فِي الرَّخَاءِ فَأَصَابَهُ ضُرٌّ فَدَعَا اللَّهَ.
قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ مِنَ امْرِئٍ ضَعِيفٍ فَيَشْفَعُونَ لَهُ.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ، وَلا يَحْمَدُهُ فِي الرَّخَاءِ فَأَصَابَهُ ضُرٌّ فَدَعَا اللَّهَ.
قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: صَوْتٌ مُنْكَرٌ. ]
وفي قصة نبي الله يونس عليه السلام قال : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ  لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  }
ومن أعظم فوائد الذكر أنه سبب لاشتغال اللسان عن الكلام الباطل من الغيبة والنميمة والكذب والفحش وعموم الباطل
فإن الإنسان لا بد له أن يتكلم , فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره ونواهيه , تكلم بهذه المنكرات المحرمات أو ببعضها , فلا سبيل إلى السلامة منها إلا باعتياد ذكر الله عزوجل , وانشغال القلب واللسان بذكر الله
فمن عود لسانه ذكر الله والكلام بالحق , صان الله لسانه عن الباطل واللغو
وقد كان السلف الصالح بعضهم يعد كلامه عداً وتخرج منهم الكلمات القليلة فينفع الله بها الناس قرونا كثيرة
ومجالس الذكر تغشاها الرحمة وتحفها الملائكة فهي مجالس الكرام وأهل الله وخاصته يتدارسون الكتاب والذكر والعلم يحفظ الله بهم العباد والبلاد , جعلنا الله واياكم منهم
[قيل لابن عباس : أي العمل أفضل ؟
قال : ذكر الله أكبر - وفي رواية أنه أعادها ثلاث مرات - وقال :  وَمَا جَلَسَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ يَتَعَاطَوْنَ فِيهِ كِتَابَ اللهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَتَدَارَسُونَهُ إِلاَّ أَظَلَّتْهُمَ الْمَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، وَكَانُوا أَضْيَافَ اللهِ مَا دَامُوا فِيهِ حَتَّى يُفِيضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ] وفي معناها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
والذكر من أيسر العبادات وهو مع ذلك من أجلها وأفضلها , فإن حركة اللسان من أيسر حركات الجسم وهو يسير على من يسر الله عليه
وفي الحديث أن غراس الجنة [ سبحان الله والحمد لله والله أكبر ]
وقال صلى الله عليه وسلم [ من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة ]
وقال صلى الله عليه وسلم [ من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة خطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ]
وقال صلى الله عليه وسلم : [ لأن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحبُّ إلي مما طلعت عليه الشمس ]
فانظر أخي المسلم لهذه الأذكار اليسيرة ولهذا الأجر العظيم الكبير لمن داوم عليها وعود لسانه عليها

الحمد لله القائل { فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } آمراً عباده الصالحين بالإكثار من ذكره جل وعلا لأن في ذلك صلاحهم وصلاح قلوبهم محذراً من الإعراض عن ذكره
ففي الإعراض عن ذكر الله عزوجل هلاك العبد , وضيق العيش , وهم القلب , والحزن
قال تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }
والضنك هو الضيق الشديد والبلاء , وهذا الضيق يتناول الدنيا والبرزخ والآخرة فهو ضيق مستمر عياذا بالله من ذلك
وأول ما يبدأ العبد مع نفسه هو أن يدعو الله عزوجل أن يجعله من الذاكرين له
وفي الدعاء [ اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك ]
إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة من فوائد ذكر الله عزوجل ذكرها الحافظ ابن القيم في كتاب الوابل الصيب
هذا وقد اهتم علماء المسلمين بالذكر والدعاء والأذكار فصنف الحافظ الطبراني كتاب الدعاء , وصنف الحافظ ابن السني عمل اليوم والليلة , وفي الصحيحين والسنن والمسانيد كتب وأبواب للأذكار والدعاء لا يكاد يخلو كتاب من ذكر الوارد في الذكر والدعاء معرفة منهم بأهمية هذا الباب وفضله ومكانته من دين الله عزوجل فرحمهم الله عزوجل ورضي عنهم
وصنف شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كتابه الكلم الطيب , وصنف ابن القيم كتابه الوابل الصيب شرح فيه فوائد بعض أحاديث الأذكار , فاحرص أخي أن تكون هذه الكتب النافعة في بيتك وأن تكون من أهل الذكر وأن تكون من الذين لا يزال لسانهم رطباً من ذكر الله تعالى جعلنا الله واياكم من الذاكرين الشاكرين
والحمد لله رب العالمين
اللهم عافنا واعف عنا , اللهم قنا شح أنفسنا , اللَّهُمَّ اعْصِمْنا بِدِينِكَ وَطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم.
اللَّهُمَّ جَنِّبْنِا حُدُودَك، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِا مِمَّنْ يُحِبُّك وَيُحِبُّ مَلائِكَتَكَ وَرُسُلَك وَعِبَادَك الصَّالِحِينَ.
اللَّهُمَّ حَبِّبْنا إلَيْك وَإِلَى مَلائِكَتِكَ وَرُسُلِكَ.
اللَّهُمَّ آتِنِا مِنْ خَيْرِ مَا تُؤْتِي عِبَادَك الصَّالِحِينَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
اللَّهُمَّ يَسِّرْنِا لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنِا الْعُسْرَى، وَاغْفِرْ لنا فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى.
اللهُمَّ أَدْخِلْنِا الْجَنَّةَ بفَضْلِكَ و بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ.
رَبَّنَا أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا
وَاهْدِنَا سُبُلَ الإِسْلامِ
وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
 وَاصْرِفْ عَنَّا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ، وَمَا بَطَنَ
 وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَتُبْ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ إنَّك أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
 وَاجْعَلْنَا لأَنْعُمِكَ شَاكِرِينَ مُثْنِينَ بِهَا قَائِلِينَ بِهَا وَأَتْمِمْهَا عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ اهْدِنَا ، وَيَسِّرْ هُدَاك لَنَا ، اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى وَاجْعَلْنَا مِنْ أُولِي النُّهَى
اللَّهُمَّ لَقِّنَّا نَضْرَةً وَسُرُورًا ، وَاكْسُنَا سُنْدُسًا وَحَرِيرًا وَحَلِّنَا أَسَاوِرَ , إلَه الْحَقِّ
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَائِلِيهَا وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّك أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ....
مصورا من [ هنا ]


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |