مناقشة بشار عواد وجماعة مؤسسة الرسالة في تعليقهم على ترجمة أبي حنيفة ( الحلقة الثانية )


مناقشة  بشار عواد وجماعة مؤسسة الرسالة في تعليقهم على ترجمة أبي حنيفة
( الحلقة الثانية )

الحلقة الأولى [ من هنا  ]


الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :

فنكمل مسيرة الرد على تلاعبات بشار ورفاقه في ترجمة أبي حنيفة , سائلين الله عزوجل أن يقيض لهم من ينقض عليهم كل تعليقاتهم في كل ما أخرجوه وعبثوا به من كتب الإسلام :


( * ) قال الخطيب :  حدثنا علي بن القاسم الشاهد بالبصرة ,قال : حدثنا علي بن إسحاق المادرائي , أخبرنا أحمد بن زهير إجازة , أخبرني سليمان بن أبي شيخ

قال ( الخطيب ) وأخبرني أبو بشر الوكيل وأبو الفتح الضبي , قالا : حدثنا عمر بن أحمد قال : حدثنا الحسين بن أحمد بن الفرافصة وهذا لفظ حديثه قال :

حدثنا أحمد ابن أبي خيثمة : قال : حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال : حدثني حجر بن عبد الجبار : قال :  [ قيل للقاسم بن معن بن عبد عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود : ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة ؟
فقال : ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة
وقال له القاسم : تعال معي , فجاء فلما جلس إليه لزمه , وقال : ما رأيت مثل هذا - زاد الفرائضي - قال سليمان
وكان أبو حنيفة ورعا سخياً ] ..انتهى

قالوا معلقين : رجاله ثقات , حجر بن عبد الجبار هو الحضرمي لا نعرف فيه جرحاً ! , وسليمان بن أبي شيخ هو الواسطي الثقة المتقدمة ترجمته في هذا الكتاب . انتهى

قلت : أولا :شيخ الخطيب الأول : علي بن القاسم الشاهد ليس له ترجمة وليس يعرف عنه إلا أنه من شيوخ الخطيب وروى عنه
وشيخه في الإسناد الثاني معتزلي مشهور بالاعتزال وقيل أنه صحيح السماع
هذا من حيث التدقيق وإلا فالخبر في تاريخ ابن أبي خيثمة  أصلا , ولعجلتهم في تصحيح مثل هذه الأخبار لم ينتبهوا لهذا الأمر .
ونبهت عليه هنا لقولهم [ رجاله ثقات ] يعني رجال هذا الإسناد 

ثانياً : حجر الذي يروي عن القاسم والذي لا يعرف فيه المحققون المدققون جرحاً , جرحه ظاهر جداً
إذ لا يروى عنه إلا أخباراً قليلة معظمها في مدح أبي حنيفة وأخبار في السيرة غرائب
 وقد روى الصيميري في كتابه من طريق حجر أخبارا في مدح أهل الرأي وأبي حنيفة
لا خطام لها ولا زمام عن أناس مشهورين بالحديث ليسوا بأهل رأي بل وبعضهم صح عنه كالشمس ذمهم ! وسيأتي بعض ذلك في موضعه إن شاء الله .
وسليمان بن أبي الشيخ رجل إخباري يروي كل شيء وعن كل أحد
ولا أظنه سمع من القاسم وهو إخباري فيما يبدو أخباره كلها من هذا الباب وعلى كثير منها  الظلمة
والقاسم كان قاضياً نبيلاً صاحب حديث  ولا تروى عنه هذه الأخبار إلا من طريقهم فالله أعلم ..

ولتسأل نفسك : ماذا لو روى هذا المجهول ( الذي ظاهر أخباره الغرابة ) خبراً في ثلب أبي حنيفة وجرحه ؟! فهل ستكون الحاشية كالحاشية هنا ؟!


( * ) قال الخطيب : أخبرني الصيمري قال : قرأنا على الحسن بن هارون عن أبي العباس بن سعيد قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي حاتم قال : حدثنا إبراهيم بن أحمد الخزاعي قال : سمعت أبي يقول : سمعت سهل بن مزاحم يقول :  [ بذلت الدنيا لأبي حنيفة فلم يردها ! , وضرب عليها بالسياط فلم يقبلها ! ] .
قلت : ولم يعلق المحقق بشيء ! , وذهبت قواعد المحدثين مع العدل والإنصاف والتحقيق إلى حيث حطت رحلها أم قشعم !
فقط وضعوا حاشية على سهل بن مزاحم : [  هو المروزي , كان من الأبدال ( الجرح والتعديل 4 / 880 ) ]
وهذا ما نبهت عليه في الحلقة الأولى من تعمدهم ترك التعليق على بعض الآثار وسيأتي من هذا الفعل المزيد
وفي هذا الموضع عدة تنبيهات :
1-  أبو العباس بن سعيد هو ابن عقدة رافضي متهم مع حفظه
2-  محمد بن عبد الله بن أبي حاتم شيخ ابن عقدة مجهول وربما لا يوجد أحد بهذا الاسم فابن عقدة كان مشهوراً بهذا النوع من التدليس القبيح ليستكثر بالرواية :
وقال الدَّارَقُطْنِيّ: كان أبو العباس بن عقدة إذا ضاق عليه مخرج حديث، في [ مستخرجه على صحيح البخاري ] أخرجه عن يونس بن سابق، ويونس هذا لا يعرف في الدنيا، ولا يدرى من هو. ( لسان الميزان 6 -9491 )
وقال ابن عدي: سمعت أبا بكر بن أبي غالب يقول: ابن عقدة لا يتدين بالحديث، لأنه كان يحمل شيوخنا بالكوفة على الكذب، يسوى لهم نسخا، ويأمرهم أن يرووها ثم يرويها عنهم. انتهى
يعني الرجل يروي عن أناس لا يعرفون , ويكتب كتبا للناس المجاهيل ثم يجعلهم يروونها ثم يرويها عنهم !

3- سهل بن مزاحم ترجم له بأنه عابد ولم يوثقه أحد وقد نظرت في أخباره فوجدت عامتها في المدح يمدح مالكاً وسفيان وأخباراً في طلب العلم وهذا الباب فالله أعلم
4- قارن هذا أيها القارئ مع تنطعهم وتعنتهم الشديد في أخبار الذم مع تواترها وكثرتها وتنوع قائليها !

( * ) قال الخطيب : حدثني الصوري , قال : أخبرنا الخصيب بن عبد الله القاضي بمصر قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان الطرسوسي , قال : حدثنا عبد الله بن جابر البزاز قال : سمعت محمد بن جعفر بن نوح يقول : سمعت عيسى بن الطباع يقول : سمعت روح بن عبادة يقول :
[ كنت عند ابن جريج  سنة خمسين وأتاه موت أبي حنيفة , فاسترجع وتوجع , وقال : أي علم ذهب , ومات فيها ابن جريج ] .
قالوا في الحاشية : إسنادها صحيح رجالها ثقات !

قلت :  أولا : هذه الحكاية لا توجد إلا في كتاب الخطيب وهذا موضع شك مستقل , ولو كانت عن روح عن ابن جريج  لسارت بها الركبان وحملت في كل محمل !
ثانياً : لا أدري كيف عرفوا أن رجالها ثقات , فلربما سبروا مروياتهم ! فخرجوا لنا بهذه النتيجة !
- شيخ الصوري : لم أجد من وثقه وقال الذهبي محله الصدق
وروى عنه حفاظ فمثله يحتمل في الحكايات والأخبار إن جاء بما لم يستنكر
- وشيخه أحمد بن جعفر الطرسوسي :  لم يوثقه أحد
- وأما شيخه عبد الله بن جابر :
قال أبو أحمد الحاكم : منكر الحديث , وذكر خبر باطلاً عن رجل عرف به ثم قال :  وهذا عبد الله بن جابر قد حدث به، عَن مُحَمد بن المبارك عن إسماعيل وأربى على أبي هارون بحديث عمارة بن غزية والله يرحمنا وإياه فإنه ذاهب الحديث.
فأين الثقة ؟! { ستكتب شهادتهم ويسألون } .

( * ) قال الخطيب : أخبرني أبو بشر الوكيل , وأبو الفتح الضبي قالا : حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عصمة الخراساني قال : حدثنا أحمد ابن بسطام قال : حدثنا الفضل بن عبد الجبار , قال : سمعت أبا عثمان حمدون ابن أبي الطوسي [ قال : سمعت عبد الله بن المبارك يقول :
قدمت الشام على الأوزاعي فرأيته في بيروت فقال لي : يا خراساني من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة ؟ - يعني أبا حنيفة – فرجعت إلى بيتي , فأقبلت على كتب أبي حنيفة فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل , وبقيت في ذلك ثلاثة أيام فجئت يوم الثالث , وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم والكتاب في يدي فقال لي : أي شيء هذا الكتاب ؟ فناولته فنظر في مسألة منها وقعتُ عليها : [ قال النعمان بن ثابت ] فما زال قائماً بعد ما أذن حتى قرأ صدر الكتاب ثم وضع الكتاب في كمه ثم قام وصلى , ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها فقال لي : يا خراساني من النعمان بن ثابت هذا ؟ قلت له : شيخ لقيته بالعراق . فقال : هذا نبيل من المشايخ , اذهب فاستكثر منه , قلت : هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه ]
قلت : ولم يعلق المحققون بأي شيء ! ولم يذكروا أي كلمة !
وهنا تنبيهات :
الأول : صح عن ابن المبارك أنه مدح أبا حنيفة وكتب عنه وأهل خراسان افتتنوا بأبي حنيفة في بداية الأمر
ثم صح عنه شخصياً التراجع وهو قبل هذا كان صاحب حديث يكتب ويجمع ولم يكن من أهل الرأي وكان يحب سفيان الثوري ويذهب مذاهبه فلا يجوز أن يترك آخر قولي الرجل لقول رجع عنه
وكذا عامة أهل الحديث هناك رجعوا عن مذاهب أهل الرأي وذموهم وعابوهم
الثاني : هذا الحكاية لا تصح ! أحمد بن محمد بن عصمة هو :
أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن رميح بْن عصمة بْن وكيع بْن رجاء أَبُو سعيد النخعي النسائي ( الخراساني )
ضعفه الدارقطني , وأبو نعيم , وأبو زرعة  محمد بن يوسف قيل كذبه
ودافع عنه الخطيب وغيره والدارقطني  أعلم بهذا الشأن ممن دافع عنه وذكر له بالأفراد أحاديث غريبة جداً ينفرد بها عن ثقات
شيخه هو أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام المروزي لم يوثقه أحد فيما وقفت عليه ولكن روى عنه جماعة من الحفاظ
وهذه سلسلة روى بها الخطيب أخباراً كثيرة  وشيخه أيضاً شيخ يروي أخباراً ولم يوثقه أحد
وأما الراوي عن ابن المبارك فلا يعرف ولم أقف له على أي خبر غير هذا الخبر !
فإنا الله وإنا إليه راجعون ..

( * ) قال الخطيب : حدثنا الصيمري قال : قرأنا على الحسين بن هارون عن أبي العباس بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن مسرور قال : حدثنا على بن مكنف قال : حدثني أبيعن إبراهيم بن الزبرقان قال : [ كنت يوماً عند مسعر فمر بنا أبو حنيفة فسلم ووقف عليه ثم مضى فقال بعض القوم : لمسعر : ما أكثر خصوم أبي حنيفة , فاستوى مسعر منتصباً ثم قال : إليك فما رأيته خاصم أحداً قط إلا فلج عليه ]
قالوا : إبراهيم بن الزبرقان وثقه ابن معين وقال أبو حاتم لا يحتج به , وعلى بن مكنف وأبوه لم نتبين حالها .انتهى
قلت : هنا تنبيهات :
الأول : الصيمري قاضي حنفي صنف في مناقب أبي حنيفة كتاباً ملأه بالبواطيل والخرافات التي لا وجود لها إلا في كتابه وتوثيق الخطيب له محل نظر شديد ومن نظر في كتابه علم أن الرجل في أحسن حالاته متعصب متساهل في رواية الموضوعات التي لا يشك عاقل في وضعها .
الثاني : أبو العباس بن سعيد هو ابن عقدة رافضي متهم بالكذب تقدم الكلام عليه
الثالث : شيخ ابن عقدة عبد الله بن أحمد بن مسرور لا يعرف وابن عقدة كان يخترع الأسماء ويدلس كما تقدم  ولم أقف له على غير هذه الحكاية , وهناك شيخ اسمه عبد الله بن محمد بن مسرور قريب من هذه الطبقة شيخ لم يوثقه معتبر والله أعلم بحقيقة الحال
وعلي بن مكنف وأبوه مجهولان
فهذا الخبر ينبغي أن يقال فيه [ موضوع مكذوب ] بلا شك . والله المستعان

يتبع ....



جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |