الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى
آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد وقفت على ترجمة
للصحابي الجليل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في حاشية مسند الإمام أحمد ط الرسالة
جاء فيها [ 30 / 59 ] في بداية مسند المغيرة :
جاء فيها [ 30 / 59 ] في بداية مسند المغيرة :
وكان يقول – يعني المغيرة - : أنا أولُ راشٍ رشا في الإسلام، جئتُ إلى يَرْفَأ حاجبِ عُمر ، وكنتُ أُجالسه ، فقلت: خذ هذه العمامة فالبسها ، فإنَّ عندي أختَها ، فكان يأنَسُ لي ، ويأذَنُ لي أن أجلس من داخل الباب ، فكنتُ آتي ، فأجلِسُ في القائلة ، فيمرُ المار ، فيقول : إنَّ للمغيرة عند عمر منزلةً .اهـ
أقول : وذكرها كثير من الذين صنفوا في الصحابة
وهذه ليست أول مرة لطبعات هذه المؤسسة , كفى الله المسلمين شرهم
ولا أدري ما سبب ذكر هذا في الترجمة وسيأتيك أن هذه الرواية مدارها على كثير بن زيد الأسلمي , وقد ضعفوه هم في حواشيهم في غير موضع [ انظر حاشية الأحاديث رقم 1462- 6173 وحسنوا له في بعض المواضع في مسند أبي هريرة ويبدوا أن الذي حقق المجلدات الأولى كان أحذق من غيره ! ] .
وأكاد اجزم لو كانت هذه الرواية في أبي حنيفة أو أحد أهل الرأي لصنع شعيب ورفاقه المستحيل لتضعيفها , ولكن الهمم تضعف عن الدفاع عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وتشد وتعلوا في الدفاع عن أهل البدع من أهل الكلام والرأي .
ولا نقول إلا : حسبنا الله ونعم الوكيل
وقد وجدت هذا الأثر في عدة مصادر أعلاها فيما وقفت عليه ما أخرجه
يعقوب بن سفيان في المعرفة قال : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ كَثِيرٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ:
أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَشَا فِي الْإِسْلَامِ، كُنْتُ آتِي فَأَجْلِسُ بِالْبَابِ فَأَنْتَظِرُ الدُّخُولَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ لِيَرْفَأَ حَاجِبُهُ : خُذْ هَذِهِ الْعِمَامَةَ فَإِنَّ عِنْدِي أُخْتًا لَهَا لِتَلْبِسَهَا، فَكَانَ يُدْخِلُنِي حَتَّى أَجْلِسَ وَرَاءَ الْبَابِ فَمَنْ رَآنِي قَالَ إِنَّهُ لَيَدْخُلُ عَلَى عُمَرَ فِي سَاعَةٍ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهَا أَحَدٌ.اهــ
أقول : سفيان عن حمزة تصحيف والصواب سفيان بن حمزة وهو الأسلمي معروف من شيوخ إبراهيم بن المنذر ومن تلاميذ كثير وهو بن زيد الأسلمي , وهذه سلسلة بهذا الإسناد معروفة روي فيها عدد من الأحاديث ومنها هذا الأثر
وإبراهيم ثقة قالوا إن له مناكير عن المجاهيل , وهجره الإمام أحمد لمسألة القرآن .
وسفيان بن حمزة :
قال أبو زرعة : صدوق , وقال أبو حاتم : صالح الحديث , وذكره ابن حبان في الثقات
وكثير بن زيد :
قال الإمام أحمد : ما أرى به بأساً .[ العلل لابنه ]
وقال ابن معين في تاريخ ابن أبي خيثمة : وَسُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِيْن: عَنْ كثير بن زيد، روى عنه عبد المجيد الحَنَفِيّ؟ قَالَ: ليس بذاك القوي ، وكان قَالَ أول : ليس بشيء .اهـ
وفي رواية الغلابي : قال : صالح , وفي رواية الدورقي قال : ليس به بأس
و قال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلى : ثقة .
و قال يعقوب بن شيبة : ليس بذاك الساقط ، و إلى الضعف ما هو
و قال أبو جعفر الطبري : و كثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بنقله .
وقال النسائي ضعيف . اهـ من التهذيب وفروعه وحواشيه .
وفي الجرح والتعديل : قال أبو حاتم : صالح , ليس بالقوي , يكتب حديثه , وقال أبو زرعة : صدوق فيه لين
ومال إلى ضعفه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في رده على عبد العزيز القاري [ براءة الصحابة الأخيار ]
والمطلب بن عبد الله بن حنطب صدوق , لكن روايته عن الصحابة مرسلة لم يدرك إلا سهل بن سعد وقيل جابر ونص غير واحد من الأئمة أن روايته عن الصحابة مراسيل
لذلك قال الحافظ : صدوق كثير الإرسال والتدليس .
قلت : الإرسال عن الصحابة ثابت أما التدليس فلم أر من الأئمة من وصفه به , فلو رأيتَ ترجمته عامة الكلام عن سماعه من الصحابة فقط .
ووجدت هذه الحكاية في عدد من الكتب , خصوصاً كتب الصحابة وليس لها إسناد غير هذا
ولا يجوز أن يوصف هذا الصحابي الجليل بهذا الفعل , بهذا الإسناد الضعيف المنقطع , خصوصاً أنه يتكلم عن زمن عمر رضي الله عنه
حتى أن بعض المصنفين يذكرها بقوله : وكان.... وكان .... ثم يقول : وكان أول من رشا في الإسلام !! وكأنها منقبة !
وهذا زلة كبيرة ومنكر عظيم.
وقال محمد الطاهر بن عاشور التونسي – على أشعرية فيه - في تفسيره التحرير والتنوير بعدما ذكر هذه القصة ممرضة [ 2/192 ] :
وَلَا أَحْسِبُ هَذَا إِلَّا مِنْ أَكَاذِيبِ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ لِلْغَضِّ مِنْ عَدَالَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ
فَإِنْ صَحَّ وَلَا إِخَالُهُ : فَالْمُغِيرَةُ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ بَأْسًا لِأَنَّ الضُّرَّ اللَّاحِقَ بِالْغَيْرِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ رَآهُ إِحْسَانًا وَلَمْ يَقْصِدِ التَّقْدِيمَ فَفَعَلَهُ يَرْفَأُ إِكْرَامًا لَهُ لِأَجَلِ نُوَالِهِ، أَمَّا يَرْفَأُ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَهْتَدِ إِلَى دَقِيقِ هَذَا الْحُكْمِ .اهـ
وقال ابن قتيبة في المعارف - وذكرها غيره نقلاً عنه - :
أول من رشا في الإسلام المغيرة بن شعبة، وقال: ربما عرق الدرهم في يدي أرفعه ليرفأ ليسهل إذني على عمر . اهـ
قلت : ولم يذكر إسناداً لتلك الكلمة , فلا يعتمد عليها وجزمه بها زلة عظيمة وأصحاب التواريخ وكتب الأخبار والأسمار يكثر فيهم هذا , يذكرون الروايات بلا خطام ولا زمام والله المستعان .
ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله على وسلم
قال الخلال في السنة :
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : قُلْتُ لِأَبِي : فَإِنْ قَالَ : أَنَا أَقُولُ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْجَنَّةِ ، وَلَا أَشْهَدُ ؟
قَالَ : يُقَالَ لَهُ : هَذَا الَّذِي تَقُولُ حَقٌّ ؟ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ، فَيُقَالَ لَهُ : أَلَا تَشْهَدُ عَلَى الْحَقِّ ، وَالشَّهَادَةُ هِيَ الْقَوْلُ.
وَلَا يَشْهَدُ حَتَّى يَقُولَ ، وَإِذَا قَالَ شَهِدَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ أُمَّتِي
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ فَمَنْ يَكُونُ؟
وقال الخلال أيضاً [ 807 ] :
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : ثَنَا مُهَنَّى، قَالَ : سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ،؟
فَقَالَ : كُوفِيٌّ، فَقُلْتُ : فَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَ : كَمَا شَاءَ اللَّهُ ، قُلْتُ : كَيْفَ هُوَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟
قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ، قُلْتُ : لِمَ ؟
قَالَ : يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ فِيهَا تَنَقُصٌّ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقال الخلال أيضاً [ 800 ] :
وَكَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : ثَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ يَرْوِي الْحَدِيثَ فِيهِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ، يَقُولُ: أَرْوِيهِ كَمَا سَمِعْتُهُ ؟
قَالَ : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَرْوِيَ الرَّجُلُ حَدِيثًا فِيهِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ.
قَالَ : وَإِنِّي لَأُضْرِبُ عَلَى غَيْرِ حَدِيثٍ مِمَّا فِيهِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ
وقال الخلال أيضاً [799 ] :
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ:
إِنَّ قَوْمًا يَكْتُبُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الرَّدِيئَةَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ حَكَوْا عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتُ : أَنَا لَا أُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ حَدِيثٍ يَكْتُبُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ يَعْرِفُهَا.
فَغَضِبَ وَأَنْكَرَهُ إِنْكَارًا شَدِيدًا، وَقَالَ : بَاطِلٌ، مَعَاذَ اللَّهِ، أَنَا لَا أُنْكِرُ هَذَا ؟!، لَوْ كَانَ هَذَا فِي أَفْنَاءِ النَّاسِ لَأَنْكَرْتُهُ، كَيْفَ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ : أَنَا لَمُ أَكْتُبْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ "، قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَمَنْ عَرَفْتَهُ يَكْتُبُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الرَّدِيئَةَ وَيَجْمَعُهَا أَيُهْجَرُ؟
قَالَ :نَعَمْ، يَسْتَأْهِلُ صَاحِبُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الرَّدِيئَةِ الرَّجْمَ
، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : جَاءَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، فَقُلْتُ لَهُ: تُحَدِّثُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ؟
فَجَعَلَ يَقُولُ : قَدْ حَدَّثَ بِهَا فُلَانٌ، وَحَدَّثَ بِهَا فُلَانٌ، وَأَنَا أَرْفُقُ بِهِ، وَهُوَ يَحْتَجُّ.
فَرَأَيْتُهُ بَعْدُ فَأَعْرَضْتُ عَنْهُ وَلَمْ أُكَلِّمْهُ . اهـ
أقول : فانظر كيف احتج على الإمام أحمد بأنه حدث بهذه المثالب فلان , وفلان , كما يفعل المييعة وأهل الأهواء اليوم يحتجون بزلات العلماء من هنا وهناك , ثم انظر كيف أن الأمام هجره بعدما احتج عليه بفعل فلان وفلان وترك الحجة والدليل
وما أحوج الكثير اليوم لهذا العلاج الناجع مع أمثالهم من الكرابيسين !
وقال الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث [ ص 93 ]: ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيبا لهم ونقصا فيهم ، ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم.
هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم