تعقيب على بعض ما جاء في ندوة ( ظاهرة الإرهاب في تونس ) لأبي سعيد حمزة الرادسي



الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم وبارك على نبيه محمد الصادق الأمين , خاتم الأنبياء و المرسلين و على آله و أصحابه الأبرار المتقين أما بعد :


فقد استمعت و رأيت - و الله المستعان - لندوة سُميت بظاهرة الإرهاب في تونس ألقاها رجلان تونسيان ينتسبان للسنة , فسمعت فيها بعض الأخطاء بل و الأباطيل و الطوام و الله المستعان , وحثني بعض إخواني لكتابة شيء حول ما قيل في هذه الندوة فأزمعت ذلك و الله الموفق إلى سواء السبيل
و قبل البدء فيما استنكرته مما سمعته في هذه الندوة أود الكلام على مسألة إطلاق القول بذم الإرهاب دون أي قيد , فهذه طريقة فيها غلط من وجوه :
أولا : فيها مخالفة لقوله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }
فذكر الله جل ثناءه الإرهاب ههنا في معرض المدح بل الحث عليه و على أسبابه و لكنه إرهاب مقيد بضابط : وهو إعداد قوة للجهاد لإرهاب الكافرين بها
و قال الله تعالى أيضا { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
فنهانا الله أن تأخذنا رأفة بالزاني و الزانية و مفهوم الآية أن يكون إقامة الحد عليهما فيه إرهاب لهما أولا كي يرتدعا عن جرمهما ذلك ثم حث على شهود طائفة من المؤمنين ذلك الحد المقام لكي يكون لهم أيضا رادعا فلا يقعوا فيما وقع فيه هذان من انتهاك الأعراض
و قال الله أيضا { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
و الغلظة إرهاب للكافرين و المنافقين
و الآيات و الأحاديث في هذا كثيرة و يدخل فيه كل آية أو حديث أو أثر يحث على الشدة على من يستحقها فهي إرهاب له و لغيره كي لا يقعوا فيما يستحقون عليه الشدة و الإرهاب.

ثانيا : في إطلاق ذم الإرهاب مشابهة للكافرين من نصارى الأمريكان و غيرهم و علمانيي العرب و غيرهم من أدعياء حقوق الإنسان و العدالة و الحرية , الذين أدخلوا في مسمى الإرهاب الحق و الباطل و تستروا وراء هذا الشعار لنشر ديمقراطيتهم الكافرة و علمانيتهم الكافرة الفاجرة بين المسلمين , و قد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من مشابهة الكافرين و غيرهم من أعداء الله
قال أحمد رحمه الله في مسنده [ 5115 ]:
 حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
 [  بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ]
و معلوم لدى طلبة العلم من أهل الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مخالفة الكافرين و تعمد ذلك كما حرص صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود في الصلاة في النعال و صيام عاشوراء مع صوم يوم قبلها و في قيام فارس و الروم لملوكهم و معظميهم و غير هذا كثير
فلا ينبغي لمسلم فضلا عن صاحب سنة أين يشابه هؤلاء الأخباث الكفرة في كلامهم و منطقهم و دعواتهم بل حبذا له أن يتعمد مخالفتهم
ثالثا : الإكثار من لفظة الإرهاب يتعطل بها استخدام ألفاظ شرعية جاءت بها الآيات و السنن و الآثار و استخدامها هو المتعين كالخوارج و الخروج و شق عصا المسلمين و خلع السمع و الطاعة و الإفساد في الأرض و قتل النفس بغير حق و خلاف السنة و الآثار
و قد نهى الله جل ذكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التكلم بلفظ مجمل يحتمل حقا و باطلا و يتبادر إلى أذهان الناس معناه الباطل و أمرهم سبحانه و تعالى بقول الكلمة الواضحة الشرعية التي لا تحتمل إلا حقا فقال جل ذكره { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ  }
و المراد هنا التنبيه لعدم ذكر الإرهاب في معرض الذم هكذا مطلقا بل ينبغي تقييده بإرهاب الخوارج أو إرهاب المسلمين ممن لا يستحقه أو حتى إرهاب الكافرين ممن لا يستحقه منهم كالمعاهد و المؤتمن و الذمي و استخدام الألفاظ التي جاءت في القرآن و كلام النبي صلى الله عليه وسلم و كلام أصحابه و التابعين و أئمة السلف والله أعلم
و الآن نشرع في المقصود و الله المستعان وعليه التكلان و هو حسبي ونعم الوكيل
 رب يسر و أعن :
قال أحد المتكلمَيْن في الدقيقة التاسعة عشرة في الندوة : [ تونس البلد المبارك ]
و هذا غلط و إثبات للبركة لبلد بدون حجة , و البركة أمر غيبي لا يعلم تحققه في بلد أو شخص أو جماد أو أكل أو غير ذلك إلا بشيء من الوحي و الآثار عن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه
و سبحان الله , كيف يستجيز رجل وصف بلد بالبركة وهو يعلم أنه فيه من الأوثان و القبور التي تعبد من دون الله الشيء الكثير .
 و أنه بلد يكثر فيه جدا سب الله جل و علا -و العياذ بالله- و لا يقام الحد على هؤلاء الكفرة و لا غيرهم ممن يستحق حدا .
 و أن السنة فيه مغمورة و البدعة مشهورة و يعمل فيه بالمعاصي و الفواحش جهارا نهارا و لا يردع منه أحد , إلى غيرها من المصائب في هذا البلد .
 و البركة هي زيادة الخير و نماءه , فأي خير يزداد و ينمو في هذا البلد هدى الله أهله سواء السبيل ؟
فالحرص على هداية الناس و بيان الحق لهم يكون بتبليغ الوحي و السنن و الآثار , لا بالثناء الباطل و التملق.

و قد جزم في الدقيقة الحادية و العشرين و الثانية الأربعين [ أن الشرطة و الجيش كلهم مسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ]
 و هذا الجزم باطل , فهو يعلم أن منهم من يسب الله و من يستهزئ بالدين و من يترك الصلاة .
 و الصواب أن يقال أن من كان منهم مسلما و لم يظهر منه ناقض من نواقض الإسلام فهو على إسلامه لا يجوز تكفيره فضلا عن قتله و استحلال دمه .
 و من أتى بكفر و ردة فهو كافر لا يجوز الشهادة له بالإسلام .
و أما قتل أمثال هؤلاء فهو واجب السلطان وحده و ليس لأحد من الرعية قتل كافر و إقامة حد الردة عليه كما أجمع عليه السلف.

و قال في الدقيقة الثالثة و العشرين و الثانية الخمسين [ أن الله عظم عقوبة المجرم القاتل الذي ينتهك حريات الناس ]
و هذه لغة أجنبية عن العلم و السنة , فمتى كان أهل السنة يتكلمون بلغة الحرية و الحريات .
 و هل جرأ الناس على المعاصي و سوء الأخلاق و ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الإستقامة على السنة إلا تلك اللفظة الفاجرة : أنا حر و كل شخص حر في ما يصنع ؟؟
أفنأتي نحن و نذكي هذا الخطل بالاستعمال هذه اللفظة الخبيثة ؟
بل هذه الكلمة هي سلاحهم الأوحد لرفض إقامة شرع الله و نشر الإسلام بينهم و إقامة الحدود على من يستحق منهم , بل هي سلاحهم لمجابهة من يأمر أحدهم بالمعروف و ينهاه عن المنكر , حتى صار بعض المصلين يرددها و الله المستعان

ثم بدأ يذكر من الدقيقة السادسة و العشرين [ أن من أسباب (الإرهاب) التركيبة الشخصية و النفسية للإرهابي  ]
و هكذا أيضا كلام عجيب جدا , و متى كان أهل السنة يعللون ضلال بعض الناس بمثل هذه الأمور , حتى لكأنه يخيل إليك أنك في عيادة طبيب نفساني و لست في مجلس علم و وعظ ؟

و الكلام أيضا في حد ذاته غلط , فكم من رجل شديد فيه شيء من الغلظة و عافاه الله من مذاهب الخوراج و كم من رجل هين لين في طبعه وقع في مذهب الخوارج ؟
بل من عرف رأس الخوارج في هذا عصر و هو أسامة بن لادن عرف أنه رجل هين لين في طبعه , لكن سبحان الله الذي يهدي من يشاء و يضل من يشاء
و الأمر توفيق من الله أولا و آخرا في عصمة الرجل من البدع و الضلالات , مع تمسك المرء بالقرآن و السنة و ما جاء عن الصحابة و التابعين و أئمة السلف , لا تركيبات نفسية و لا غير هذا من شقشة الكلام .

و قال في الدقيقة السابعة و العشرين و الثانية الأربعين [ أن من علامات الإرهابي و أسباب ضلاله أنه مع مشايخه على مذهب : من اعترض انطرد ]
و عجيب هذا , و هل هذا المتكلم مع مشايخه على مذهب غير هذا ؟؟
 و هل يستطيع هو أو غيره أن يعترض على شيخه ؟؟
 و هم أصحاب لغة : من أنت حتى تخطأ الشيخ فلان أو تعترض عليه ؟؟
و هل غاب عن العالم هذا و عرفته أنت ؟؟
و هل عندك تزكية حتى تتكلم في هذا و تخطأ العلماء و المشايخ ؟؟ إلى آخر هذه الترهات
فلا تنقم على غيرك شيئا أنت واقع فيه و لو خرج عليك الخارجي فقال لك : رمتني بدائها و انسلت لما أبعد و الله المستعان.

و قال في الدقيقة الثامنة و العشرين و الثانية الخمسين [ أن من أسباب ضلال الإرهابيين عدم شعورهم بانتمائهم لأوطانهم و دولهم ]
و هذه أيضا من اللغة الأجنبية عن العلم , و هل كان أهل السنة يعللون ضلال الضالين بمثل هذه الكلمات الغريبة , التي هي أصلا من كلام الوطنيين و من كان على مذهب إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون
بل إن كثيرا من الخوارج إنما خرج -في زعمه- ليحرر وطنه ممن يراهم كفارا مرتدين و يعيد إليه الإسلام
و سبحان الله العظيم , هذه التعليلات السخيفة الغريبة التي يذكرها هذا المتكلم يوازيها إهمال منه للسبب الرئيس لضلال هؤلاء الخوارج و غيرهم من أهل البدع , ألا وهو تركهم للسنة و آثار الصحابة و التابعين و أتباع التابعين و أئمة السلف .
كمالك بن أنس و سفيان الثوري و سفيان بن عيينة و حماد بن زيد و حماد بن سلمة و الشافعي و عبد الله بن إدريس و وكيع و عبد الله بن المبارك  و جرير بن عبد الحميد .
و الليث بن سعد و قتيبة بن سعيد و أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهوية .
و أبي بكر ابن أبي شيبة و أبي حاتم الرازي و أبي زرعة الرازي و عبد الله بن الزبير الحميدي و البخاري و غيرهم كثير من أئمة الهدى
هؤلاء الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه و سلم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
و قال النبي صلى الله عليه و سلم فمن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها و عضوا عليه بالنواجذ
فإهمال هذا السبب الرئيس لضلال من ضل و الكلام على أشياء تافهة يظن أنها سبب للضلال لمن الغش للناس و الله المستعان .

و قال في الدقيقة التاسعة و العشرين و الثانية العشرين [ أن المسلم عليه أن يغضب للوطن إذا انتقص ]
و هذا مما لا حجة لقائله و لا دليل له عليه , و لا أدري كيف ينتقص الوطن ؟
هل إذا انتقص بنيانه و دوره و حقوله و بحره ؟ أم إذا انتقص سكانه ؟
أما الأول : فلا عليك ألا ترد عليه لأنه إنما ينتقص شيئا من الدنيا
أما إن كان الثاني : فإن انتقص السكان بظلم فعلى المسلم الدفاع عن المسلم سواء كان من أهل وطنه أو من غيرهم و أما إن انتقصهم بحق فليس لأحد أن يجادل و يدافع عن المبطلين .

و قال في الدقيقة الواحدة و الثلاثين [ أن مظهر الغلو في الوطنية معارضة دين الله و أحكامه بها ]
و هذا قصور شديد بل هذا أعلى الغلو فيها و هذا من الردة عن الإسلام , و الغلو في الوطنية يبدأ مما هو دون هذا بكثير
فالتعبد لله بحب الوطن من الغلو و البدعة إلا إن كان هذا الوطن مما مدحه الله كالحرمين و بيت المقدس
و الموالاة و المعاداة على اعتبار المواطنة من الغلو , بأن يوالي أهل وطنه و لو كانوا كافرين أو مبتدعة  أو فساق , و من ذلك ما صار منتشرا في بلدنا : الولاء لتونس و الله المستعان
و من الغلو في الوطنية احترام العلم و النشيد الرسمي و القيام لهما و الغضب ممن لا يقوم لهما و لا يحترمهما , إلى أن بلغ ببعض الناس أنه لا يغضب لرب العزة إذا سبه الكفرة و استشاط غضبا لما أنزل العلم و إلى الله المشتكى
و من الغلو في الوطن ترك الهجرة منه إذا انتشر فيه الكفر أو البدعة أو الفسق
و قد قال الله تعالى { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ  
فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
فالاقتصار على صورة معارضة دين الله بالوطنية كمظهر للغلو فيها قصور شديد و مظاهر الغلو في الوطن كثيرة .

و قال في الدقيقة الثانية و الثلاثين و الثانية الثالثة [ أن من مقتضيات الوطنية احترام أفراد الوطن ]
و هذا من أغرب ما يسمعه المرء , أيعمم الاحترام على كل أفراد الوطن ؟
 كافرهم و مبتدعهم و فاسقهم و صالحهم و مستقيمهم ؟
و أين هجر المستحق للهجر و الإعراض عن المستحق له و الشدة على مستحقها ؟
و قد قال الله جل ذكره { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
و المنافقون الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم أن يجاهدهم و يغلظ عليهم كانوا مواطنين له يعيشون معه في نفس المدينة
و الكفار أيضا كان كثير منهم أصلهم مواطنون للنبي صلى الله عليه و سلم بل منهم أقرباء له و لكثير من الصحابة
و النصوص في هذا الباب كثيرة و المتكلم لا أخاله يجهلها .
لكن سبحان الله , كثير من الناس تستفزه الأحداث و كلام الناس فيتلفظ بكلام لعله لا يقوله في مواضع أخر و الله الموفق إلى سواء السبيل
و لغة الاحترام أيضا من أسلحة العامة لمجابهة الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر ظنا منهم أنه من قلة احترام الآخر و التدخل في شؤونه الخاصة و الله المستعان .

و قال في الدقيقة الثانية و الثلاثين و الثانية العشرين [ أن من مقتضيات الوطنية احترام نظم الوطن و ثقافته الإسلامية ]
و هذا أيضا من الكلام الغريب العجيب الأجنبي عن العلم و السنة , و نريد من هذا المتكلم تفسيرا لكلمة نظم و ثقافة إسلامية
و هل لكل بلد مسلم ثقافته الإسلامية الخاصة به ؟
و هل أنزل الله لكل بلد شيئا من الإسلام هو خاص به ؟
و هذا الكلام أيضا هو من لغة المبتدعة الذين يسمون بدعهم بتقاليدنا و عاداتنا و هي من اللغة الخبيثة التي يواجه بها الناشرون للسنن خاصة المهجورة فيقال لهم : ليس هذا من ثقافتنا الإسلامية
فانظر إلى هذا المنتسب للسنة كيف ذكى للمبتدعة و الفسقة كثيرا من شبهاتهم و لغتهم السيئة التي طالما عانى منها أهل الحديث و انتظروا من ينصرهم منها فإذا بمن ينصرها عليهم من بني جلدتهم و إلى الله المشتكى .

و قال في الدقيقة الثانية و الثلاثين و الثانية الثلاثين [ أن الموت في سبيل الدفاع عن الوطن شهامة و شهادة ]
و هذا كلام باطل جدا , و لم يذكر الله و لا رسوله الموت و الجهاد في سبيل شيء إلا سبيل الله , و حتى من يدافع عن بلده المسلم إنما هو في سبيل الله لكي تعلو فيه كلمة لا إله إلا الله و لا تعلو فيه كلمة الكفر
قال أحمد رحمه الله في مسنده [  1628 ]:
 حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: هَذَا حَفِظْنَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
 [ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شِبْرًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ] .

فسماه النبي صلى الله عليه و سلم مقتولا دون ماله و ليس في سبيل ماله و هذا ينطبق على من قتل دون بلده المسلم فهو في سبيل الله و دون بلده و ليس في سبيل بلده

و قال في الدقيقة الثلاثة و الثلاثين و الثانية الخامسة و العشرين في معرض الافتخار : [  تونس بلد الزيتونة و بن عاشور ]
و هذه هوة سحيقة من المداهنة و الله المستعان , و لكن لهذا الكلام سبب أخس من المداهنة سأطنب شيئا ما في ذكره و الكلام عليه ألا وهو الموقف المخزي الذي يتخذه كثيرون اليوم من الجهمية الأشعرية , حتى بلغ به الافتخار بمدارسهم و مشيختهم
لقد أجمع السلف على تكفير منكري علو الله و القائلين بخلق القرآن و القائلين بمذهب اللفظية و الواقفة , بل و تكفير من لم يكفر هؤلاء
 قال أبو حاتم و أبو زرعة في العقيدة التي نقلا فيها إجماع السلف :[  وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ.
 وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ مِمَّنْ يَفْهَمُ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَمَنْ شَكَّ فِي كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَقَفَ شَاكًّا فِيهِ يَقُولُ: لَا أَدْرِي مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ جَهْمِيٌّ. وَمَنْ وَقَفَ فِي الْقُرْآنِ جَاهِلًا عُلِّمَ وَبُدِّعَ وَلَمْ يُكَفَّرْ.
وَمَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ أَوِ الْقُرْآنُ بِلَفْظِي مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ ]
و قال حرب الكرماني في العقيدة التي حكى عليها الإجماع  : [ والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر.
 ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أكفر من الأول وأخبث قولًا.
 ومن  زعم إن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع  .
ومن لم يكفرها ولا القوم ولا الجهمية كلهم فهو مثلهم ]
فإذا علم هذا فليعلم أن الجهمية الأشعرية قوم ينكرون علو الله بصورة أخبث من إنكار الجهمية الأوائل
قال عبد الله بن أحمد في السنة [  147 ]:
 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ:
 وَسَأَلَهُ، سَهْلُ بْنُ أَبِي خَدَّوَيْهِ عَنِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: [ يَا أَبَا يَحْيَى مَا لَكَ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ هَذِهِ مَسَائِلُ أَصْحَابِ جَهْمٍ، إِنَّهُ لَيْسَ فِي أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ شَرٌّ مِنْ أَصْحَابِ جَهْمٍ يَدُورُونَ عَلَى أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ، أَرَى وَاللَّهِ أَلَّا يُنَاكَحُوا وَلَا يُوَارَثُوا ]
 [41 ]  حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ: [  وَذُكِرَ، هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ، قَالَ:  إِنَّمَا يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ ]
فهؤلاء الجهمية الذين كفرهم السلف و كفروا من لم يكفرهم إنما يدورون و يحاولون أنه ليس في السماء إله , فكيف لو رأوا من يقول أن الله لا داخل العالم ولا خارجه بل و يكفرون من يثبت علو الله و الله المستعان
و قال عبد الله في السنة [ 65 ]:
 حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ دَلُّوَيْهِ، سَمِعْتُ يَحْيَىَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ الْعَوَّامِ، يَقُولُ: [ كَلَّمْتُ بِشْرَ الْمَرِيسِيَّ وَأَصْحَابَ بِشْرٍ فَرَأَيْتُ آخِرَ كَلَامِهِمْ يَنْتَهِي أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ ]
فالجهمية الذين كان للسلف معهم شأن عظيم من الجهاد و التحذير و التكفير , آخر كلامهم إنكار العلو فكيف لو رأوا الأشعرية الذين أول و أشهر كلامهم إنكار العلو بل و تكفير الموحدين المثبتين لعلو الله
قال القرطبي المفسر في كتابه الأسنى شرح أسماء الله الحسنى (2/132) بعد أن ذكر أقوال العلماء في استواء الله على عرشه :( وأظهر هذه الأقوال ـ وإن كنت لا أقول به ولا أختاره ـ ما تظاهرت عليه الآي والأخبار أن الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه , وعلى لسان نبيه بلا كيف ، بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات حسب ما تقدم...) .
(هذا النقل مستفاد من أحد إخواننا)
فهو يحكي عقيدة السلف و مع هذا لا يقول بها و هذا أعظم ما يقف عليه المرء من المحادة لله و لرسوله و لسلف الأمة و الله المستعان
و هذه العقيدة الكفرية التي صرح بها هذا القرطبي هي عقيدة كل الأشعرية المتأخرين مع علمهم بمذاهب السلف
قال بن حجر العسقلاني في شرح البخاري : [ وَلَوْ قَالَ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى التَّجْسِيمِ مِنَ الْيَهُودِ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا كَذَلِكَ إِلَّا إِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يَفْقَهُ مَعْنَى التَّجْسِيمِ فَيُكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي قِصَّةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي سَأَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتِ مُؤْمِنَةٌ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَأَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ]
 (هذا النقل مستفاد أيضا من أحد إخواننا)
فالله المستعان , هذا من كبار الجهمية الأشعرية يكفر اليهودي الذي يقول لا إله إلا الذي في السماء و يعذره فقط إذا كان جاهلا بالتجسيم و يصف بهذا الجارية التي شهد لها النبي صلى الله عليه و سلم بالإيمان و الله المستعان
و إثبات أن الأشعرية ينكرون العلو يطول و هو أشهر من أن يتكلف لكن ذكرت نبذا من كلام من يسمى اليوم بالأئمة ليعرف حال القوم الذين يمتحن بهم عباد الله اليوم
و لن يستطيع أحد و لو عُمِّر عمر نوح عليه السلام أن يثبت أن الأشعرية أو أي أحد منهم يثبت أن الله على عرشه بذاته بائن من خلقه
و قد قال بن حجر في شرحه للبخاري في شرح حديث النهي عن البزاق في القبلة [ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ بِذَاتِهِ وَمهما تُؤُوِّلَ بِهِ هَذَا جَازَ أَنْ يُتَأَوَّلَ بِهِ ذَاكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ]
فإذا علم هذا فليعلم أن السلف يجهمون من لا يثبت العلو و أن الله على عرشه كما يقر  في قلوب العامة , سواء كان منكرا أو محرفا (متأولا) أو مفوضا أو متوقفا
قال عبد الله بن أحمد في السنة [  54 ]:
 حَدَّثَنِي عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا شَاذُّ بْنُ يَحْيَى، سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ [ وَقِيلَ، لَهُ: مَنِ الْجَهْمِيَّةُ؟ فَقَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى عَلَى خِلَافِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيُّ ]
فتارك الإقرار بعلو الله على ما يقر في قلوب العامة الموحدين جهمي عند السلف .
 سواء كان هذا التارك منكرا للعلو أو محرفا لمعناه للاستيلاء أو الكناية عن الهيمنة و السيطرة أو مفوضا لمعناه أو غير ذلك .
 فكل هؤلاء يشملهم كلام يزيد بن هارون رحمه الله لأنهم يجمعهم عدم إثبات العلو و يتفرقون في السبب الدافع لهم إليه , و كلها ليست إلا غطاءات يسترون بها عوراتهم و تجهمهم و أنى لهم ذلك و في الأمة أمثال يزيد بن هارون
و هذه عقيدة كل الأشعرية المتأخرين لا يخرجون عنها قيد أنملة
و قد كفر عثمان بن سعيد الدارمي متأول صفة اليد و أنها هذا التأويل بحد ذاته كفر و الجهلة اليوم يعتبرونه عذرا و الله المستعان
و تأويل صفة اليد هي أيضا عقيدة الأشعرية
قال عثمان الدارمي في نقضه على المريسي [ فَقَوله (يَدَاهُ) عِنْدَكَ رِزْقَاهُ. فَقَدْ خَرَجْتَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ مِنْ حَدِّ الْعَرَبِيَّةِ كُلِّهَا، أومن حَدِّ مَا يَفْقَهُهُ الْفُقَهَاءُ وَمِنْ جَمِيعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَمِمَّنْ تَلَقَّفْتَهُ؟
 وَعَمَّنْ رَوَيْتَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ؟
 فَإِنَّكَ  جِئْتَ بمحال لَا يعقله عجمي وَلَا عَرَبِيٌّ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ سَبَقَكَ إِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ.
فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي تَفْسِيرِكَ هَذَا فَأَثَرُهُ مِنْ صَاحِبِ عِلْمٍ أَوْ صَاحِبِ عَرَبِيَّةٍ، وَإِلَّا فَإِنَّكَ مَعَ كُفْرِكَ بِهِمَا مِنَ الْمُدَلِّسِينَ.
وَإِنْ كَانَ تَفْسِيرُهُمَا عِنْدَكَ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ كَذِبٌ مُحَالٌ، فَضْلًا عَلَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا
و قال رحمه الله في رده على الجهمية وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}  و {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} و {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وَقَالَ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} .
قَالَ هَؤُلَاءِ: لَيْسَ لِلَّهِ يَدٌ، وَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ، إِنَّمَا يَدَاهُ نِعْمَتَاهُ وَرِزْقَاهُ. فَادَّعَوْا فِي يَدَيِ اللَّهِ أَوْحَشَ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْيَهُودُ {قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} .
 وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: يَدُ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ، لِأَنَّ النِّعَمَ وَالْأَرْزَاقَ مَخْلُوقَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا.
 وَذَاكَ مُحَالٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ كُفْرًا ]
و لا يخفى أيضا إنكار الأشعرية للحرف و الصوت في كلام الله و قولهم بخلق القرآن العربي الذي بين أيدينا و لا داعي لنقل كلام السلف في تكفير القائلين بخلق القرآن فهو أشهر من النار على العلم لكن أنقل هذا الفصل في بيان حكم من أنكر أن الله يتكلم بصوت و أنه سبحانه كلم موسى عليه السلام بصوت و حكم من أنكر بعض الصفات الأخرى ليعلم مكان الأشعرية من الإسلام

قال عبد الله بن أحمد في السنة [ سُئِلَ عَمَّا جَحَدَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ الضُّلَّالُ مِنْ كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَزَّ وَجَلَّ
 [531] حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ: [ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ ]
 [532] حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: [ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَيَقُولُ: كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، وَقَالَ مَالِكٌ: اللَّهُ فِي السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ ]
 [533] سَأَلْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ قَوْمٍ، يَقُولُونَ: لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ فَقَالَ أَبِي: [ بَلَى إِنَّ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ نَرْوِيهَا كَمَا جَاءَتْ]
 [534] وَقَالَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ: [ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ  قَالَ أَبِي: وَهَذَا الْجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ .
وَقَالَ أَبِي: هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ يُرِيدُونَ أَنْ يُمَوِّهُوا عَلَى النَّاسِ، مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ فَهُوَ كَافِرٌ، أَلَا إِنَّا نَرْوِي هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كَمَا جَاءَتْ ]
 [535] سَمِعْتُ أَبَا مَعْمَرٍ الْهُذَلِيُّ، يَقُولُ: [ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَغْضَبُ وَلَا يَرْضَى - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ - فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ عَلَى بِئْرٍ وَاقِفًا فَأَلْقُوهُ فِيهَا بِهَذَا أَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ بِاللَّهِ تَعَالَى ] ]
فتأمل تكفير عبد الرحمن بن مهدي لمن أنكر أن الله كلم موسى عليه السلام .
و تكفير أحمد لمن أنكر الصوت لله و تكفير أبي معمر الهذلي القطيعي لمن أنكر الغضب و الرضا و غيرها من الصفات , و هذه كلها عقائد الأشعرية و الله المستعان
و تعداد كفريات الأشعرية و مواقف السلف منها يطول و في مسألة العلو كفاية بيان مكانهم من الإسلام
فإذا تقرر هذا فكيف يوصفون بالإسلام فضلا عن السنة فضلا عن الإمامة فضلا عن أين يكونوا محنة ؟
و بهذا يعلم خطر من لم يكفر هؤلاء القوم إذا علم مذاهبهم و مواقف السلف منهم
ثم يأتينا هذا المتكلم ذاكرا من مفاخر هذا البلد جامعا يدرس هذا التجهم و رجلا على مذهب هؤلاء في التجهم و الله المستعان
قال بن عاشور في تفسيره في ذكر سبب كفر اليهود [ وَمَعْنَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ: أَنَّهُمْ لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَوَصَفُوهُ بِصِفَاتٍ غَيْرِ صِفَاتِهِ مِنَ التَّجْسِيمِ
وَاتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالْحُلُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ آمَنُوا بِالِاسْمِ لَا بِالْمُسَمَّى، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ كَفَرُوا بِالْمُسَمَّى، كَمَا إِذَا كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْرِفُ فُلَانًا فَقُلْتَ لَهُ: صِفْهُ لِي، فَوَصَفَهُ بِغَيْرِ صِفَاتِهِ، تَقُولُ لَهُ:  أَنْتَ لَا تَعْرِفُهُ  عَلَى أَنَّهُمْ لَمَّا كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْحَوَادِثِ، فَقَدْ كَفَرُوا بِإِلَهِيَّتِهِ الْحَقَّةِ،
إِذْ مِنْهُمْ مَنْ جَسَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ ثَلَّثَ. ]
و هذا نفس جهمي واضح , و التجسيم الذي ينسبه هؤلاء الجهمية لليهود هو إثباتهم للصفات و والله إن اليهود لهم أعلم بالله منهم , فإن اليهود أثبتوا لله اليد لكنهم قالوا -لعنهم الله- هي مغلولة , و أما هؤلاء الجهمية فقالوا ليس لله يد أصلا و إنما هي نعمة أو قدرة أو رزق
و يقول أيضا في تفسيره [ وَلِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأُصُولِ الصَّرِيحَةِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ مِمَّا يَكْشِفُ سُوءَ تَأْوِيلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِكَلِمَاتِ كِتَابِهِمْ فِي مُتَشَابِهِ التَّجْسِيمِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ مَا يُسَاوِي قَوْلَهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ]
و هذا كسابقه , و يدعي هذا الجهمي أن التوراة ليس فيها آية واضحة في التنزيه كقوله تعالى ليس كمثله شيء , و هذا من القول على الله بغير علم و فيه اتهام مبطن لرب العزة أنه لم يذكر التنزيه واضحا في التوراة كما هو في القرآن حتى وقع اليهود في التجسيم
أفيذكر مثل هذا الخبيث مفخرة للبلد ؟
و قال أيضا في تفسيره : [ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ تَمْثِيلُ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَالِ مَنْ أَخَذَ الْأَرْضَ فِي قَبْضَتِهِ وَمَنْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّةً أَفْلَاكُهَا وَآفَاقُهَا بِيَدِهِ تَشْبِيهَ الْمَعْقُولِ بِالْمُتَخَيَّلِ وَهِيَ تَمْثِيلِيَّةٌ تَنْحَلُّ أَجْزَاؤُهَا إِلَى اسْتِعَارَتَيْنِ، وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ بَاقِيَةٌ غَيْرُ مضمحلة وَلَكِن نظامهما الْمَعْهُودَ اعْتَرَاهُ تَعْطِيلٌ
وَفِي  الصَّحِيحِ  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاوَاتِ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ  .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ أَن الله يَجْعَل السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ. فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ
. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مِمَّا نَزَلَ بِمَكَّةَ. وَالْحَبْرُ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُ الرَّاوِي: تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ فَهْمِ الرَّاوِي كَمَا جزم بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ: «الْمُفْهِمُ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ» .
 وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ فَلَمْ يَذْكُرُوا قَوْلَهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، وَلَعَلَّهُ مِنَ الرَّاوِي ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ. اهـ-، أَيْ فَهُوَ مِنْ إِدْرَاجِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رِوَايَةً عَنْ عُبَيْدَةَ. وَإِنَّمَا كَانَ ضَحِكُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِهْزَاءً بِالْحَبْرِ فِي ظَنِّهِ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَأَنَّ لَهُ يَدًا وَأَصَابِعَ حَسَبَ اعْتِقَادِ الْيَهُودِ التَّجْسِيمَ وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِقِرَاءَةِ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ لِأَنَّ افْتِتَاحَهَا يَشْتَمِلُ عَلَى إِبْطَالِ مَا تَوَهَّمَهُ الْحَبْرُ وَنُظَرَاؤُهُ مِنَ الْجِسْمِيَّةِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنِ اعْتِقَادِهِمْ وَقَدْ رَدَّهُ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ غَيْرَ مَرَّةٍ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فَلَمْ يَحْتَجِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى التَّصْرِيحِ بِإِبْطَالِهِ وَاكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ الَّتِي يَفْهَمُهَا الْمُؤْمِنُونَ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ مَا تَوَهَّمَهُ الْيَهُودِيُّ تَوْزِيعًا عَلَى الْأَصَابِعِ إِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ عَنِ الْأَخْذِ وَالتَّصَرُّفِ.]
ألا لعنة الله على الكاذبين, فهذا المجرم ينسب -كأسلافه من الجهمية- أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما ضحك استهزاءً بالحبر , و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يُتكلَم بالكفر و التجسيم أمامه فلا يزيد على أن يضحك و لا يبين للناس ما في كلامه من الضلال
و دعوى أن الدليل على استهزاء النبي صلى الله عليه و سلم بالحبر هو قراءته للآية جهل ما بعده جهل فالآية فيها إثبات القبضة لله و اليمين له سبحانه و تعالى و الاكتفاء بمطلعها من علامة الزيغ و الهوى عند هؤلاء الجهمية
قال بن خزيمة في كتاب التوحيد [ بَابُ ذِكْرِ إِمْسَاكِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا عَلَى أَصَابِعِهِ جَلَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ تَكُونَ أَصَابِعُهُ كَأَصَابِعِ خَلْقِهِ، وَعَنْ أَنْ يُشْبِهَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ صِفَاتِ خَلْقِهِ، وَقَدْ أَجَلَّ اللَّهُ قَدْرَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يُوصَفَ الْخَالِقُ الْبَارِئُ بِحَضْرَتِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ، فَيَسْمَعُهُ فَيَضْحَكُ عِنْدَهُ، وَيَجْعَلُ بَدَلَ وجُوبِ النَّكِيرِ وَالْغَضَبِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهِ ضَحِكًا تَبْدُوَ نَوَاجِذُهُ، تَصْدِيقًا وَتَعَجُّبًا لِقَائِلِهِ لَا يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُؤْمِنٌ مُصَدِّقٌ بِرِسَالَتِهِ ]
فتأمل قول بن خزيمة [ لَا يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُؤْمِنٌ مُصَدِّقٌ بِرِسَالَتِهِ ] لتعرف قدر هؤلاء القوم و حال من يعظمهم و يفتخر بهم و الله المستعان
و دعوى أن زيادة أن النبي صلى الله عليه و سلم ضحك تصديقا له مدرجة في الخبر باطل و ريح
قال بن خزيمة في كتاب التوحيد [ حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ فِي عَقِيبِ خَبَرِهِ قَالَ: ثنا يَحْيَى قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:  فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ.
 فَقَالَ أَبُو مُوسَى فِي عَقِبِ خَبَرِهِ: قَالَ يَحْيَى: زَادَ فِيهِ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورِ عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ:  فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ.
 حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى فِي عَقِبِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا أَبُو  الْمُسَاوِرِ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ.
 كَذَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو مُوسَى قَالَ: بِنَحْوِهِ.
 قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْجَوَادُ قَدْ يَعْثُرُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَهِمَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي إِسْنَادِ خَبَرِ الْأَعْمَشِ، مَعَ حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَعِلْمِهِ بِالْأَخْبَارِ، فَقَالَ: عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا هُوَ: عَنْ عَلْقَمَةَ.
 وَأَمَّا خَبَرُ مَنْصُورٍ فَهُوَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْإِسْنَادَانِ ثَابِتَانِ صَحِيحَانِ :
مَنْصُورٌ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
 وَالْأَعْمَشُ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ .
غَيْرُ مُسْتَنْكِرٍ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَعَ عِلْمِهِ وَطُولِ مُجَالَسَتِهِ أَصْحَابَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَرْوِي خَبَرًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ ]
فقد صحت عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة السلماني عن بن مسعود و عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن بن مسعود , فبعد هذا ليضرب صاحب الحديث بكلام القرطبي صاحب المفهم و الخطابي عرض الحائط
أكتفي بهذا القدر في هذه المسألة و لا أقدر أن أوفيها قدرها و لكن في ما سبق إشارة للّبيب من أهل الحديث و الآثار , و أما أهل الرأي و التعصب للمشيخة فلا سبيل لنا عليهم.

و قال في الدقيقة الخامسة و الثلاثين و الثانية الخمسين [ أن من المعلوم بالضرورة وجوب لزوم جماعة المسلمين و ترك الخروج على إمامهم ] !
و هذا كلام غريب , فليس هذا من المعلوم بالضرورة إنما هو معلوم بتتبع النصوص و تقصيها.

و بدأ يتكلم من الدقيقة الثامنة و الثلاثين عن [ خطورة التسرع في التكفير و موانع التكفير ]
و ذكر من موانع التكفير : التأويل , هكذا مطلقا بدون قيد التأويل السائغ
و ذكر الجهل أيضا مطلقا دون التفصيل بين الأمور الواضحة المعلومة من الدين بالضرورة التي لا يعذر فيها المرء بجهله بل جهله بها كفر في حد ذاته وجاهلها في حكم معاندها .
كما قال بن مندة : [ مثل وجوب إفراد الله بالعبادة و توحيده بها و إثبات العلو لله و غيرها من الواضحات في دين الله مما تواترت أدلتها , و بين الأمور الخفية التي يعذر فيها المرء بجهله ما لم يكن إعراضا و تفريطا ]
و الكلام على خطورة التكفير أمام العامة مع عدم الكلام على خطورة الإرجاء و عدم تكفير الكافرين لمن الغش العظيم لهم
فإن مذهب المرجئة منتشر بين العامة أكثر بكثير من مذهب الخوارج .
 فنسمع كثيرين منهم يقول : الدين في القلب , و لا تكفر الناس , و بعضهم لا يكفر الجهمية و المشركين .
بل بلغ ببعضهم أنه لا يكفر اليهود و النصارى و الله المستعان
و على المرء أن يعالج طرفي الخلاف للحق و السنة و لا يتكلم في جانب دون آخر
بل عليه أن يركز على أيهما أظهر فيمن يخاطب , لاسيما و هو يخاطب عواما الإرجاء فيهم أكثر من مذهب الخوراج
 هذا و يلاحظ في المتكلم كثرة استعماله لألفاظ حادثة كالثقافة و الحضارة و الوطنية و التطرف , مع إهمال ألفاظ كثيرة شرعية و هذا لا ينبغي أبدا بصاحب السنة
و يشكر للمتكلمين توسيعهم دائرة الذم لما يسمى بالإرهاب فأدخلوا معهم فعال العلمانيين و النصارى و فجرة الإعلاميين ممن لا هم لهم إلا حرب الإسلام و السنة
و اللهَ أسأل أن يهدينا و المتكلمين و جميع المسلمين سواء السبيل و إلى سنة النبي صلى الله عليه و سلم و مذهب الصحابة و التابعين و أئمة السلف الصالحين
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين  


وكتب :
أبو سعيد حمزة الرادسي التونسي
 عفى الله عنه 





جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |