نقض طعونات محققي تاريخ بغداد في الإمام حماد بن سلمة رحمه الله



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فلا يزال أهل الحديث يعانون من تشغيبات أهل الزيغ والزندقة منذ العصور الأولى إلى يومنا هذا

ولا يضرهم هذا أبداً بإذن الله تعالى

بل هو من إظهار الحق وتكثير أدلته ولله الفضل والمنة

ومن تلك التشغيبات الباردة التي رُد عليها مراراً طعنهم في الإمام حماد بن سلمة بن دينار


وسبب هذه الطعونات في هذا الإمام الجليل أنه كان شديداً على الجهمية وأهل الكلام
فالمتستر والمعلن منهم يبغضه ويخرج هذا على فلتات لسنه وبين سطوره , وبعضهم يصرح به جهاراً

وقد تفطن أئمة الإسلام لهذا قبل ألف عام وجعلوا هذا الإمام علامة فارقة من طعن فيه متهم في دينه وعقيدته 

وكما قالوا - قاعدةً عامة - : من علامات أهل البدع والزيغ الطعن في أهل الأثر , وقد كان هذا الإمام من رؤوس أهل الأثر في زمانه

ومن هؤلاء الفجار الزائغين بشار بن عواد بن معروف ومن عمل معه في تحقيق كتاب تاريخ بغداد للخطيب

فهؤلاء التجار الفجار الذين اتخذوا كتب أئمة الإسلام مهنة وتجارة يتأكلون بها حتى لا يكاد أحد منهم ينتفع منها بشيء فتمر به الآثار الزواجر والأحاديث والمواعظ ولا يكاد يتغير حاله قيد أنملة

فتجده يملأ الكتاب بالتعليقات الباردة والوقحة أحيانا وبالحماقات الغريبة 

 كتعليقه الدائم على آثار السلف في التكلم بأهل البدع بالكلام الغليظ الشديد  بأن الجرح في العقائد لا يضر الراوي !

وما عرف الأحمق أن الناس أعلم منه بهذا وهذا أمر قد فرغ منه قبل أن يخلقه الله عزوجل ويخلق أمثاله ممن هم من باب الابتلاء والامتحان

وكل ما مرت ترجمة فيها  جرح في أهل البدع والتنبيه على بدعة المترجم له ,كرر نفس التعليق ! 

أفلا يسعك ما وسع هؤلاء كلهم حتى المصنف ؟!

والطعن في العقائد المبتدعة الباطلة وأهلها  جرح أصيل وعزيز وما تخلف عنه كتاب من كتب الجرح والتعديل أبداً

وكون الراوي ثقة لا يخفى على النقاد

بل يقولون ثقة قدري مثلاً ,  هو كذا وحديثه صحيح وهذا موجود معروف

وإنما هذا بابه التحذير من معتقده , ولو صح حديثه وكان صادقاً

وهذا الفعل  له أسباب مهمة منها :
- قد يجد الإنسان اسمه في كتب أهل الحديث فيظنه سني فيأخذ كلامه كله
- ومنه موعظته آنذاك
- ومنه موعظة غيره وزجره عن طريقه
- ومنه باب للاحتراز من تعليقاته على الآثار
- ومنه بيان حرص أهل السنة على السنة وأهلها
- ومنه التفريق بين السني والمبتدع فلا يكون قدر هذا مثل قدر هذا
- ومنه إذا وجد الحديث عند غيره رمي بحديثه تنكيلا به
وكذلك كان أهل الحديث لا يرون عن أهل البدع الغليظة المكفرة , ولا عن دعاة أهل البدع
ولا يخفى على باحث تركُ أهل الحديث كلهم عن الرواية عن أهل الرأي أصحاب أبي حنيفة

 فلا تجد لهم في الكتب الستة ولا المسند ولا دواوين الإسلام المشهورة حديث واحد حتى الصدوق منهم .

وغير هذا  المثال أمثلة كثيرة  ودقائق يتفطن لها من عرف الإسلام والسنة وحرص عليهما وعلى أهلهما وفرق بين أهل السنة وأهل البدعة

لا من يتأكل بكتب الحديث ويخرج الكتاب طبعة بلا فهارس , ثم أخرى بفهارس , ثم أخرى أصغر حجما , ثم صفراء , ثم صفراء بحاشية !!

وقد أغلظت العبارة فيهم لما أفسدوا من التعليق على الكتاب في مواطن عديدة بعد قراءتي لمعظم الكتاب مما يحتاج لنقد مستقل 

ومن ذلك تعليقهم على بعض الأسانيد والمتون والكلام المنقول عن السلف  بالرد والنكران المستمر !

  وكذلك تناكدهم ودفاعهم  المستمر وبطريقة غبية عند ورود جرح أهل الحديث المتتابع المشهور لأهل الرأي فتراهم يدافعون بأي شيء وبالافتراضات التي لا وجود لها إلا في رؤوسهم كقولهم طعن فيه بكذا , ولعله رجع !
ونقول  : لعله لم يرجع  

وهل يقال : لعله رجع ! ثم يبقى الناس قرونا لا يعلمون شيئاً عن رجوعه حتى ظهرتهم أنتم ؟!

ومن أقبح ما صنعوا ما كتبوه حول الإمام حماد بن سلمة بن دينار رحمه الله تعالى ورضي عنه
فقد وضعوا حاشية في الطعن فيه  لا يكتبها بيده إلا زائغ لا يعرف قدر أهل الحديث ولا يفرق بين الإمام الذي اتفق الناس على إمامته
وبين المتكلم الذي يشطح كل يوم لمذهب
لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ...!

فقد قالوا في حاشية تاريخ بغداد [  المجلد الثالث عشر الصحيفة رقم خمسة وخمسون ]
 بعد ذكر حديث يروى من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس : رأيت ربي في صورة شاب أمرد
قالوا نصا :
موضوع , قبح الله واضعه
ثم ذكروا نقولات عن ابن الجوزي أن ابن أبي العوجاء كان يدس في حديث حماد !
ثم قالوا مجتهدين منتصرين لكلام الجهمية : وما ذكره المصنف عن حماد أنه أكد سماعه له من قتادة , إن ثبتت نسبته إليه لا يدفع احتمال أنه دس عليه
فإنه قد ساء حفظه واختلط , وترك البخاري حديثه
وذكروا أن مسلماً خرج حديثه عن ثابت وخرج له عن غير ثابت بضعة عشر حديثاً فقط .انتهى

أقول : وعلى الطريقة الإسنادية هذه الهرطقة والخرافة لا حاجة لها أصلا !
ففي إسناد الخطيب قبل حماد عمر بن موسى بن فيروز مجهول يروي عن عفان لم أجد له في الكتب إلا خبرين أو ثلاثة !

فهل يحتمل من مثل هذا المجهول  هذا الإنفراد ؟!

ويرويه عن عفان عن عبد الصمد بن كيسان به

وقد خالفه الإمام أحمد , فرواه عن عفان عن عبد الصمد فقال رأيت ربي في أحسن صورة فقط ولم يجاوز به

وهنا تنبيه مهم  : هذا الخبر لم يطعن به حتى الجهمية الأشعرية
فالسيوطي وغيره لم يردوه , بل أثبتوه وقالوا هذه رؤيا منام ويجوز رؤية الله في المنام على غير صورته عزوجل , ونقل بعضهم الإجماع على جواز ذلك  والأكثر على هذا
على أن الخبر عن حماد بتمامه لا يقطع بثبوته والله أعلم

وهذا الخبر احتج به الإمام أحمد رحمه الله أقصد الرواية التي في المسند , وهذا يكفي في قبولها وبعد النكارة عنها

وحكاية ابن أبي العوجاء هذه خرافة لا أصل لها تفرد بها الجهمي الخبيث الزنديق محمد بن شجاع الثلجي ولا يحل لمسلم يتقي الله ويعرف الله ورسوله أن يذكرها 

وإنما اشتهر بذكرها أصحاب الغفلة والجهمية الزنادقة أعداء الله

فحكاية فيها طعنٌ بإمام من أئمة أهل السنة وفيها طعنٌ بأهل الحديث وبمن تخصص في الرد على أهل الكلام

ويتفرد بها جهمي خبيث يصنف في الكلام والتجهم ومتهم بالكذب !

أيحل لمسلم أن يذكر مثل هذا ؟!

وقال ابن حجر : قرأت بخط الذهبي : ابن البلخي ليس بمصدق على حماد و أمثاله ، و قد اتهم
قلت : و عباد أيضا ليس بشيء ، و قد قال أبو داود : لم يكن لحماد بن سلمة كتاب غير كتاب قيس بن سعد ـ يعنى كان يحفظ علمه ـ . انتهى

عباد هو ابن صهيب ذكر ابن الثلجي عنه حكاية مشابهة

وهذا الحديث لم يتفرد به حماد بل له طرق
وهذه الرواية بالذات احتج بها الإمام أحمد وهو من أعلم الناس بالحديث والعلل

وقد أثنى الإمام أحمد عليه في حديث سفينة في الخلافة
قال الخلال كما في المنتخب [ 128 ] : وأخبرني محمد بن علي ، قال : سمعت محمد بن مطهر المصيصي [ ... ] ذكر أبو عَبد الله : حماد بن سلمة ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينةَ -في الخلافة.
وقال : علي -عندنا- من الخلفاء الراشدين المهديين
 وحماد بن سلمة -عندنا- ثقة ، وما نزداد كل يوم فيه إلا بصيرة.انتهى


وكذلك عامة أحاديث الصفات لم يتفرد أحد بشيء منها
ولكن أهل الكلام والجهمية لا يعرفون الآثار ولا يجمعونها فيظنون تفرد فلان وفلان لجهلهم وقلة بضاعتهم 

وأما حكاية تغيره واختلاطه الشديد فهذه خرافة لم يذكرها إلا بعض أهل الكلام  ومن تأثر بهم كالبيهقي وابن فورك ومن حذا حذوهما وجعلوها كأنه الأصل في حديثه !

وإنما ذكروا عنه سوء الحفظ لما كبر وهذا تغير يسير , ولا زال الناس يحتجون بحديثه في كتبهم كلها 

وأما أن البخاري لم يحتج به فليس فعل البخاري حجة على غيره وقد أثنى على روايته شيوخ البخاري وشيوخ شيوخه وقد خرج حديثه في غير الجامع واحتج به مسلم والعامة ولا زال حديثه عن ثابت متداولاً محتجاً به عند العامة

وقال الإمام أحمد [ حماد بن سلمة لا أعلم أحدا أروى في الرد على أهل البدع منه  ]

وقال ابن معين :  [ إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام

قال ابن المديني: [  من تكلم في حماد بن سلمة ، فاتهموه في الدين

وقال حجاج بن منهال [ حدثنا حماد بن سلمة ، و كان من أئمة الدين ]

وقال الإمام ابن المبارك [ دخلت البصرة فما رأيت أحدا أشبه بمسالك الأول من حماد بن سلمة ]

وقال ابن حبان : [ ولم يكن يثلبه في أيامه إلا معتزلي قدري ، أو مبتدع جهمي ، لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة ]

وقال أبو الفضل بن طاهر [ و كذلك حماد بن سلمة إمام كبير ، مدحه الأئمة ، و أطنبوا لما تكلم بعض منتحلي المعرفة أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه  !لم يخرج عنه البخاري معتمدا عليه ، بل استشهد به في مواضع ليبين أنه ثقة ، و أخرج أحاديثه التي يرويها من حديث أقرانه ، كشعبة ، و حماد بن زيد ، و أبى عوانة ،
و غيرهم ، و مسلم اعتمد عليه ، لأنه رأى جماعة من أصحابه القدماء و المتأخرين لم يختلفوا ، و شاهد مسلم منهم جماعة ، و أخذ عنهم ، ثم عدالة الرجل في نفسه ،
و إجماع أئمة أهل النقل على ثقته و أمانته ]

وكذلك ينقلون كلمة عن الإمام النسائي في ثلب حماد ولا يصح ذلك [ انظر هنا ]
والحمد لله رب العالمين ...


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |