[ فائدة ] في معنى حديث [ حديث عهد بربه ]


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فلقد وقفت على كلام لجماعة من المعاصرين يشرحون فيه الحديث الذي رواه مسلم فقال :
13 - (898) وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى .اهـ
وللفائدة هو من الأحاديث التي استنكر على الإمام مسلم إخراجها فلقد استنكره ابن عمار الشهيد في تعقبه
وكثير منهم شرحوا معناه بأنه حديث الخلق والتكوين , أو قالوا لم تمسه يد بني آدم الذي يخطئون أو ما شابه ذلك .
ويتبادر إلى ذهن القاري خصوصاً من له اطلاع على كتب العقيدة السلفية خصوصاً المسندة أن هذه التأويلات ليست من طريقة السلف جملة ولا تفصيلا .
ومما يراه أيضاً أنه لا أحد من السلف جنح إلى هذا التأويل ولا أشار إليه البتة .
بل هذا الحديث معناه أنه حديث عهد بالله قريب من الله بالعلو على ظاهره ولهذا أورده الدارمي في إثبات العلو  رداً على من يقول الله في كل مكان وينفي العلو عن الله عز وجل
ولو كان معناه عند السلف أنه حديث التكوين لما أوردوه هذا الباب :
قال الدارمي في الرد على الجهمية :
76 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَرَ عَنْهُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ:  لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ.
77 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، مَا كَانَ الْمَطَرُ أَحْدَثُ عَهْدًا بِاللَّهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمِيَاهِ وَالْخَلَائِقِ.اهـ
أقول وواضح مراد الدارمي من إيراده لهذا الخبر وقد بوب على أحاديث الباب : باب: استواء الرب تبارك وتعالى على العرش وارتفاعه الى السماء وبينونته من الخلق .

وكذلك صنع ابن أبي عاصم في كتاب السنة ذكره بعد أبواب إثبات العلو مباشرة .

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [ 12/118 ] :  حين تكلم على لفظ النزول والإنزال :
 وَلَفْظُ " الْإِنْزَالِ " فِي الْقُرْآنِ قَدْ يَرِدُ مُقَيَّدًا بِالْإِنْزَالِ مِنْهُ: كَنُزُولِ الْقُرْآنِ وَقَدْ يَرِدُ مُقَيَّدًا بِالْإِنْزَالِ مِنْ السَّمَاءِ وَيُرَادُ بِهِ الْعُلُوُّ؛ فَيَتَنَاوَلُ نُزُولَ الْمَطَرِ مِنْ السَّحَابِ وَنُزُولَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.اهـ
وكذلك أورده الذهبي في العرش والعلو من أدلة علو الله تعالى على خلقه . 

وكذلك من المعاصرين من أورده على ما أورده عليه أهل السنة : 
 
قال الألباني  : وقد سُئل: ما القول في حديث الذي رواه مسلم عن أنس -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- كان إذا أمطرت السَّماء حسر عن منكبيه حتى يصيبَه المطر، ويقول: "إنَّه حديث عهدٍ بربِّه"،مع العلم بأن السَّحاب مصدر المطر قريبٌ مِن الأرض، وهو في السَّماء الدنيا؟ قال:
(( ... المطر؛ صحيح ينزل مِن السَّحاب، لكن السَّحاب في السَّماء، ما علاك فهو سماء، فهو ينزل مِن مكان يوصف بالعلو.
فحينما رُؤي الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد نزل المطر فخرج يتلقاه بصدرِه، فاستغرب ذلك منه بعضُ أصحابه فسألوهُ عن السبب؟ قال: "إنَّه حديثُ عهدٍ بِربِّه".
في ذلك إشارة إلى أن الله -عزَّ وجلَّ- له صفة العُلو، لكن نحن نقول -دائما وأبدًا-: علو الله -عزَّ وجلَّ- صِفة مِن صفاته -كأيِّ صفةٍ أخرى-، ومجموعُ صِفاته كذاتِه، كما أنَّ ذاتَه لا تُشبه شيئًا مِن الذَّوات، فكذلك صفاتُه لا تُشبه شيئًا مِن الصِّفات.
فإذا كان الكتابُ والسُّنَّة مُتواردين في آياتِ وأحاديث كثيرة وكثيرة جدًّا على إثباتِ صِفة العُلو للعليِّ الغفَّار؛ فهذا الحديثُ مِن تلك الأحاديث التي تُشير إلى صِفة العُلو؛ لكن الحديث لا يعني أن الله في السَّحاب؛ وإنما يعني أن هذا المطر نزل مِن جهة العلو -الذي هو صفة من صفات الله-عزَّ وجلَّ- ... )) إلخ كلامه .
[تفريغًا من (متفرقات للألباني-243)، موقع أهل الحديث والأثر، من الدقيقة (36)] .انتهى  وهذا النقل استفدته من الشابكة .
وفي فتح الرب الودود [ مجموعة أسئلة للنجمي ] السؤال التالي :
س: ألا نأخذ من قوله - صلى الله عليه وسلم -:  
لأنه حديث عهد بربه تعالى» رواه مسلم. دليلاً على علو الله -جل شأنه-؟
ج: لا شك أن الله في العلو، والأدلة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}. إلى غير ذلك من الأدلة على علو الله - سبحانه وتعالى -.
وهذا الدليل المذكور في السؤال كذلك يدل على علو الله -تبارك وتعالى- وهو واحد من هذه الأدلة.
 ولكن -والعياذ بالله- أصحاب البدع تركوا هذه الأدلة الواضحة الكثيرة، وأخذوا بقول القائل بأن الله لا هو فوق، ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا أمام ولا وراء، ومعنى ذلك: كلهم يصفونه بالعدم -والعياذ بالله- هذا تجدونه في كتب الأشاعرة الذين يزعمون أنّهم هم أهل السنة والجماعة، وهم في الحقيقة أفراخ الجهمية، وبالله التوفيق.انتهى

أقول : وهذا التأويل هو تأويل النووي على مسلم وتبعه ابن حجر وغيره من الأشاعرة أو ممن تأثر بهم .
وتبعه جماعة من المعاصرين لم ينتبهوا لمراد هؤلاء وهم يذهبون لهذا التأويل لكي ينفون صفة العلو فلو أثبتوا الحديث على ظاهره لزمهم أن يثبتوا العلو وهذا ما يريدون الهروب منه .
فلو قيل إن الحديث يحتمل المعنى الذي ذهبوا إليه في اللغة ؟
يقال : ما دام أن أحد أئمة السلف ذكره في أدلة العلو , وذكره غيره ونبه عليه العلماء لا يذهب لتأويل هؤلاء وإن كان له وجه لأسباب :
منها : أن هذه ليست طريقة السلف في أحاديث الصفات .
ومنها : أن هؤلاء لا يتابعون ولا يوثق بكلامهم في مثل هذا الموطن .
ومنها : وجود بعض الأئمة من قال بخلاف ذلك وأثبت على طريقة السلف في إثبات الصفات .
ويقال تنزلاً قد يكون معناه ما ذهبوا إليه ومعناه أيضاً القرب وأنه من أدلة العلو لله عزوجل  .

جاء في الدرر السنية [ 3/379 ] : وقال في الهدى، بعد قوله: " هذا حديث عهد بربه "1 قال الشافعي: أخبرني من لا أتهم عن يزيد بن الهاد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل، قال: " اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا، فنتطهر منه، ونحمد الله عليه " وأخبرنا من لا أتهم، عن إسحاق بن عبد الله: "أن عمر كان إذا سال السيل، ذهب بأصحابه إليه، وقال: ما كان ليجيء من مجيئه أحد، إلا تمسحنا به". انتهى من هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء.
والذي نفهم: أن الإنزال، والخلق، من صفات الأفعال من غير إشكال، فإن كان مقصود النووي: تأويل صفات الأفعال، فلا شك في بطلانه، وإن كان مقصوده: بيان أن المطر جديد الخلق، مع قطع النظر عن التعرض لصفات الرب، فلم يظهر لنا في ذلك منع; والذي فهمنا من كلامكم: أن النووي متعرض لتأويل صفات الأفعال، وهذا لا شك في بطلانه .اهـ

هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم




جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |