[ بحث في حديث ] إن الرجل ليصلي ستين سنة ما تقبل له صلاة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فهذا بحث مختصر في حديث :
[إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي سِتِّينَ سَنَةً مَا تُقْبَلُ لَهُ صَلاَةٌ ، لَعَلَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ ، وَلاَ يُتِمُّ السُّجُودَ ، وَيُتِمُّ السُّجُودَ ، وَلاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ ]
رواه ابن أبي شيبة في المصنف من طريق عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة موقوفاً.
عبده بن سليمان هو الكلابي ثقة ثبت . ومحمد يأتي الكلام عليه.

ورواه هشام بن عمار في حديثه فقال [129 ]  حدثنا سعيد ، ثنا محمد بن عمرو ، عن مشيختهم قالوا : قال أبو هريرة : إن الرجل ليصلي ستين سنة ، ما يقبل الله منه صلاة ، لعله يتم الركوع ، ولا يتم السجود ، ويتم السجود ، ولا يتم الركوع .

هشام بن عمار صدوق . سعيد  هو ابن يحيى اللخمي له ترجمة في تهذيب الكمال :
قال عثمان بن سعيد الدارمي ، عن دحيم : ما هو عندي ممن يتهم بالكذب .
و قال أبو حاتم : محله الصدق .
و قال ابن حبان : ثقة ، مأمون ، مستقيم الأمر في الحديث .
و قال الدارقطني : ليس بذاك . اهـ
قلت : وقال الدارقطني في العلل عنه [ س 802] 
فَقال : يَروِيهِ سَعدانُ بن يَحيَى اللَّخَمِيُّ لا بَأس بِهِ . اهـ  
و سعدان هو لقبه واسمه سعيد , كذا قال البخاري في التاريخ الكبير في ترجمته . [2473 ]
قلت : ونسخة حديث عمار ليست حاضرة عندي مطبوعة , ولكن في نسخة الشاملة قال المحقق أن إسنادها صحيح .
إذن معنا الآن حديث عبدة بن سليمان وسعيد بن يحيى اللخمي وهو صدوق في أقل حاله
كلهم رووه عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة موقوفاً عليه . 

ورواه قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب فقال [ 1922] :  أخبرنا محمد بن عبد الواحد المصري، أنبأ أبو بكر بن أبي نصر في كتابه، أنبأ أبو محمد بن حيان قال: حدثني أبو علي بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبو الشعثاء، ثنا عبدة عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ... فذكره مرفوعاً .
فخالف أبو الشعثاء ابن أبي شيبة  فرواه عن عبدة به مرفوعاً .
وشيخ أبو القاسم الأصبهاني – وهو محمد بن الفضل الحافظ  الملقب بقوام السنة - :
  محمد بن عبد الواحد هو أبو مطيع المصري مسند أصبهان  له ترجمة في تاريخ الإسلام [ وفيات 497 ] وفيها قال السمعاني : كان شيخاً صالحاً معمراً، أديباً فاضلاً . اهـ
وأبو محمد بن حيان : هو عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري الأصبهاني المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني الحافظ الثقة الثبت صحاب التصانيف .
والراوي عنه لم أعرفه  كذلك الراوي عن عبد الله بن الإمام أحمد – رحمه الله تعالى - .
وعلى فرض صحة الإسناد إلى عبدالله بن أحمد نقول :
أبو الشعثاء هو علي بن الحسن الآدمي الحضرمي  ثقة , له ترجمة في تهذيب الكمال : 
وثقة أبو داود والحاكم وابن حبان .
لكن أبو بكر بن أبي شيبة أوثق منه .
وهو قد سلك الجادة [ أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ] وهذا أسهل من حفظ الموقوف وتمميزه عن المرفوع ولا شك . 
أو يكون محمد بن عمرو قد اضطرب فيه فرواه تارة مرفوعاً وتارة موقوفاً 
وإن كنت أميل إلى أن الرواية الموقوفة هي الصحيحة عنه 

وله طريق ثالث أخرجها ابن عدي في الكامل [ ترجمة : يحيى بن ممحمد بن أخي  حرملة ] مستنكرا لها فقال : حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ مُحَمد بن أخي حرملة، حَدَّثَنا مُحَمد بْنُ أَبِي السِّرِّيِّ، حَدَّثَنا عبده بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنا مُحَمد بْنُ عَمْرو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبد الرَّحْمَنِ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فذكره .
قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ.اهـ
قلت : تنبه إلى قوله  الإسناد والمتن غير محفوظ - ولعله يريد المروفوع أو يريد استنكاره مطلقاً والأول أقوى عندي - .
و محمد بن عمرو بن علقمة الليثي  تكلموا في حفظه بل في روايته عن أبي سلمة بن عبد الرحمن خاصة , فقد جاء في ترجمته من تهذيب الكمال ما يلي :
قال علي ابن المديني : سمعت يحيى بن سعيد القطان ، و سئل عن سهيل بن أبى صالح ، و محمد بن عمرو بن علقمة ، فقال : محمد بن عمرو أعلى منه .
قال علي : قلت ليحيى : محمد بن عمرو كيف هو ؟
قال : تريد العفو أو تشدد ؟
قلت : لا بل أشدد .
قال : ليس هو ممن تريد ، و كان يقول : حدثنا أشياخنا أبو سلمة ، و يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب .
قال : يحيى : و سألت مالكاً عن محمد بن عمرو فقال : فيه نحوا مما قلت لك .
و قال علي أيضا : سمعت يحيى بن سعيد يقول : محمد بن عمرو أحب إلي من ابن
أبي حرملة .
و قال إسحاق بن حكيم : قال يحيى القطان : و أما محمد بن عمرو فرجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث .
و قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : أنه سئل عن محمد بن عمرو ، و محمد بن إسحاق أيهما يقدم ؟ فقال : محمد بن عمرو .
و قال أبو بكر بن أبى خيثمة : سئل يحيى بن معين عن محمد بن عمرو ، فقال :
ما زال الناس يتقون حديثه . قيل له ، و ما علة ذلك ؟ قال : كان يحدث مرة عن أبى سلمة بالشيء من رأيه , ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة ، عن أبى هريرة  . اهـ
قلت  : وقال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى - : كان محمد بن عمرو بن علقمة يحدث بأحاديث فيرسلها , ويسندها لأقوام آخرين .اهـ  [ مسائل ابن هانيء 2 / 238 ]

أقول : عندنا نقطتان  :
[1] أن الحديث المرفوع شاذ لا يصح , وهناك اثنان من رواة طريق قوام السنة لم أجد لهم ترجمة  .
[2] هل يحتمل تفرد محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي هريرة – موقوفاً -  بهذا ؟
الجواب : قد يحتمل منه .
 وقد ورد عن حذيفة - رضي الله عنه - شيء يشبه هذا  .
فليراجع . وليس هذا محل الكلام عليه .
* الخلاصة : لا يصح هذا الحديث مرفوعاً من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بحال .
والله تعالى أعلى وأعلم . 
وقال الألباني – في السلسة الصحيحة :
 [2535]   إن الرجل ليصلي ستين سنة و ما تقبل له صلاة و لعله يتم الركوع و لا يتم
السجود و يتم السجود و لا يتم الركوع  .
أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " ( ق 236 / 2 ) من طريق أبي الشيخ عن عبد الله
بن أحمد بن حنبل : حدثنا أبو الشعثاء حدثنا عبدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن  أبي هريرة  مرفوعا به .
قلت : و هذا إسناد حسن , رجاله كلهم ثقات , على ضعف يسير في محمد بن عمرو , و المعتمد فيه أنه حسن الحديث . و عبدة هو ابن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي , و هو من رجال الشيخين . و أبو الشعثاء اسمه علي بن الحسن بن سليمان الحضرمي , و هو ثقة من شيوخ مسلم .
و لم يستحضر الحافظ المنذري حال إسناده , فقال في " الترغيب " ( 1 / 182 ) : " رواه أبو القاسم الأصبهاني , و ينظر في إسناده " . و أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 7 / 256 )
بإسناد واه عن عبدة به 0 فالعمدة على رواية أبي الشعثاء .اهــ
قلت : فهو  لم يقف على الطرق التي تعل هذا الحديث – مرفوعاًُ - فلا يصح الاستدراك بكلامه هاهنا فما وقف عليه وضعه في بحثه كما ترى    .
فإن قلت : هذا له حكم الرفع ؟
قلت لك : المقصود أن هذا اللفظ لم يثبت من كلام المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وقد يكون الصحابي يتكلم من فهمة العام لمقاصد الشريعة .
ومن تحذير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الصلاة بلا طمأنينة وخشوع .
فمع كون الحكم صحيحاً على بطلان الصلاة دون إتمام الركوع والسجود ,  لكن المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتلفظ بهذا اللفظ .
والله تعالى أعلى وأعلم  .
هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |