تنبيهات حول الحاكم صاحب المستدرك ومؤلفاته وما فيها من أوهام وأخطاء [ الحلقة الرابعة ] - استدراكات

تنبيهات حول الحاكم صاحب المستدرك
  ومؤلفاته وما فيها من أوهام وأخطاء
جمع وتعليق :
 عبد الله بن سليمان التميمي
- غفر الله له –
الحلقة الرابعة  [ استدراكات ]


كنا قد وصلنا في هذه السلسلة إلى البدء في التعليق على كتاب معرفة علوم الحديث للحاكم
ثم وقفت على بعض ما يستدرك من كتاب الحاكم وله أهمية في معرفة ما جاء في مؤلفات الرجل من أمور قبيحة جداً لا ينبغي أن تمر مرور الكرام

فمنها :

21- قوله بعد تخريجه لحديث [ يحيى بن سلمة بن كهيل ]  :  [  هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وتركُ حَدِيث يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ مِنَ الْمُحَالَاتِ الَّتِي يَرُدُّهَا الْعَقْلُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ فَلَا يُنْكَرُ لِأَبِيهِ أَنْ يَخُصَّهُ بِأَحَادِيثَ يَتَفَرَّدُ بِهَا عَنْهُ ]

أقول : قبل البدء بالتعليق انظر كلام الأئمة في يحيى بن سلمة بن كهيل وفي روايته عن أبيه خاصة ولتعرف ماهي المحالات التي يردها عقل الحاكم !
فقد اتفق الأئمة على أنه متروك الحديث ضعيف جداً وشيعي غال
ولا يكاد يروي كبير شيء عن غير أبيه عامة روايته عن أبيه
نص البخاري على أنه يروي عن أبيه مناكير
وقال النسائي وابن معين ليس بثقة واتفق الناس على ضعفه أصلا ولا يكاد يروي أي خبر إلا عن أبيه
فهل يقول عاقل أن كل هؤلاء الأئمة غاب عنهم ما أدركه الحاكم ؟!
وما دخل هذه الجرأة في إطلاق مثل هذه الكلمات في تسويد الكتب من عدمه كما يبرر بعض من يدافع عنه ؟!

22- أخرج الحاكم تسعة أحاديث من أحاديث [ حفص بن عمر العدني ]  وهو هالك متروك تفرد بأحاديث منكرة قال الحاكم في أكثرها صحيح الإسناد ولم يخرجاه !
أقول : انظر ترجمة حفص العدني لتعرف درجة حديثه وأن حديثه ما يقرب الحسن حتى يحتج به ويطلق عليه الصحة ومن المضحكات أنه روى خبراً من طريق حفص هذا عن الحكم بن أبان ثم بدأ يتكلم عن الحكم بن أبان وأن حديثه صحيح وإن لم يحتج به الشيخان !

23 – أخرج الحاكم أربعة أحاديث من حديث يوسف بن عطية الصفار ! وهو متروك اتفاقا ! واتهم أيضاً وأحاديثه موضوعة
والحاكم يقول صحيحة الإسناد
ونقل في التهذيب من تاريخ نيسابور للحاكم أنه قال عن يوسف هذا بعينه أحاديثه مناكير !
فانظر واعجب !

24- أخرج الحاكم مجموعة من أحاديث [ نَاصِح بن عَبْدِ اللَّهِ أبو عبد الله الْمُحَلِّمِيُّ ] وهو رجل هالك متروك نصوا على نكارة حديثه مطلقاً
وعلى شدة نكارة حديثه عن سماك
فماذا صنع الحاكم ؟
اخرج حديثه عن سماك وسكت عنه
وأخرج له حديثاً عن عطاء بن السائب  وسكت عنه
ثم أخرج عن شخص آخر يقال له ناصح بن العلاء فقال : [نَاصِحُ بْنُ الْعَلَاءِ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ إِنَّمَا الْمَطْعُونُ فِيهِ نَاصِحٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَلِّمِيُّ الْكُوفِيُّ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ الْمَنَاكِيرَ  ]
فرواياته التي نص أنها منكرة عن سماك خرج منها حديثاً يستدرك به على الصحيحين !
وناصح بن العلاء  البصري هذا هناك شبه اتفاق بين الأئمة على ضعفه إلا بعض الروايات الشاذة والتي تحتاج للتحرير !


24- وأخرج الحاكم أحاديث[ إسحاق بن إبراهيم الحنيني ]  وهو متروك اتفاقاً يقول فيها صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي

25 – أخرج الحاكم أحاديث [عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بن عروة بن الزبير ] وهو متروك يقول في بعضها على شرط الشيخين ولم يخرجاه !

26- قال عند الحديث رقم [6330 ] في ذكر الحجاج الثقفي  : [  فَاسْمَعِ الْآنَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ فِيهِ وَشَهَادَتَهُمْ عَلَى سُوءِ عَقِيدَتِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ]
أقول : ما علمت أحداً جزم بأن الحجاج قتل عبد الله بن عمر وما ذكر هذا أحد من أهل التواريخ والطبقات المعتبرة بسند يجزم به ناقله .
 إنما يذكر نحوا من هذا أهل الأخبار والأسمار ! وسيأتيك في التدقيق على كتاب المعرفة ما يقارب هذا الأمر من الإطلاقات الغريبة
فإن قلت :  إن الجزم بهذا سبق لسان منه  ؟
قلت لك :  قد كررها في أكثر من موطن !
قال في حديث آخر فيه ذكر الحجاج [هَذَا بَعْدَ قَتْلِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ]
ثم ذكر في ذلك روايات أن الحجاج أوصى شخصاً فأصاب ابن عمر وشيء من هذا كله من روايات المجاهيل والمتروكين ولا يعتمد عليه
وإنما المشهور أنه أصابه سلاح في الحرم  وروي بأسانيد أجود – وفيها مقال -  أنه قيل له من أصابك فقال من جعلتموهم يحملون السلاح حيث لا يحل لهم ذلك أو معناه
وأما الروايات أن الحجاج دس له من يقتله وزيادة الرمح المسموم فما أراه إلا خرافة وما يعتمدها بالجزم رجل دقق فيها جيدا والله أعلم

ثم روى خبراً من طريق علي بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب أن ابن عمر شهد بدراً وهذا تخليط عجيب ما ينبغي أن يذكر

ثم روى أن ابن عمر ندم أنه لم يقاتل الفئة الباغية مع علي رضي الله عنه  والمشهور عنه الكلمة مطلقة
وقال سعيد بن جبير مفسراً – يعني الحجاج ومن معه – والله أعلم
وفي بعض طرقها قال : الفئة الباغية التي نزلت بنا وقال مرة في المدينة .
وقد بحثها أخي أبو جعفر عبد الله الخليفي وفقه الله واستظهر قوة الرواية التي فيها ذكر الحجاج وأنه هو ومن معه الفئة الباغية والباقي كله لا يثبت والله أعلم

27- أخرج الحاكم حديث إخوة يوسف وأسمائهم وحكايتهم
قال الحاكم [ المستدرك 8196 ] :
أخبرنا محمد بن إسحاق الصفار، العدل، ثنا أحمد بن محمد بن نصر، ثنا عمرو بن حماد، عن طلحة، ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء شيبان اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
 يا محمد، هل تعرف النجوم التي رآها يوسف يسجدون له؟ فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتاه جبريل عليه السلام فأخبره بما سأله اليهودي، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي فقال: «يا يهودي لله عليك إن أنا أخبرتك لتسلمن؟» فقال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النجوم حدثان والطارق والذبال وقابس والعودان والفليق والنصح والقروح وذو الكنفان وذو الفرع والوثاب رآها يوسف محيطة بأكناف السماء ساجدة له فقصها على أبيه، فقال له أبوه: إن هذا أمر فليشتت وسيجمعه الله إن شاء بعد .
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .انتهى
قلت : أولا يكرر الحاكم هذه العبارة دائماً على شرط مسلم ولم يخرجاه وعلى شرط البخاري ولم يخرجاه والصواب أن يقول ولم يخرجه فكونه على شرط أحدهما لا يلزم الآخر إخراجه أصلاً
فهذا تنبيه سريع لأجمع لك مادة تدلك على عقل الرجل .

ثانياً : مسلم خرج لأسباط متابعات وما احتج به ولم يحتجا بالسدي مطلقاً إنما واضح من تصرف مسلم أنه انتقى له انتقاء والبخاري ذكره في بعض المعلقات .
وأخرج مسلم لابن سابط خبراً واحداً في المتابعات !
وقوله عمرو بن حماد عن طلحة خطأ لا أدري من منه أم من النساخ وهو عمرو بن حماد بن طلحة القناد راوية أسباط .
فهل انتهى البحث هنا ؟
لا , هذا الخبر بهذه الإسناد لا وجود له إلا في كتاب الحاكم !
وهو خبر موضوع تفرد به الحكم بن ظهير راو متروك وبه يعرف !
نص على ذلك العقيلي والجوزجاني وابن حبان  والبزار والبيهقي تلميذ الحاكم الذي سمع منه كثيراً ولم يعبأ بتلك الرواية ولم يذكرها !  
وفي رواية الدوري عن ابن معين أنه ذكر الحكم بن ظهير فذكر هذا الخبر بعينه !
مما يدل أنه اشتهر به جداً
وليس أحد يرويه بهذه الإسناد غير الحاكم وقد تطلبته مدة من البحث فما وقفت على شيء !
قال المعلمي في تعليقه على الفوائد المجموعة :
وقف الذهبي في تلخيصه، فلم يتعقبه، ولا كتب علامة الصحة كعادته فيما يقر الحاكم على تصحيحه.
 والحاكم رواه عن مُحمَّد بن إسحاق الصفار عن أحمد بن مُحمَّد بن نصر، عن عمرو بن حماد، عن أسباط
 وقد جزم الجوزجاني ثم العقيلي بأن الحكم بن ظهير تفرد به عن السدي.
 ومن طريق الحكم ( بن ظهير ) ، ذكره المفسرون
 مع أن تفسير أسباط عن السدي عندهم جميعًا
 فكيف فاتَهم منه هذا الخبر، ووقع للحاكم بذلك السند؟!
هذا يشعر بأن بعض الرواة وهم، وقع له الخبر من طريق الحكم، ثم التبس عليه فظنه من طريق أسباط، كالجادة، والله أعلم. انتهى
قلت : بل أكاد أجزم وأحلف بالله أن التخليط من الحاكم ! وكما نبهت سابقاً أن معظم هذه الأخطاء تتحول فيها حال الأسانيد من الضعف إلى القوة وترتفع بها مرتبتها في غالب ما مر معي وذكرت لك طرفاً من ذلك ... والله المستعان !
ونبدأ بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة بكتاب معرفة علوم الحديث ثم أن أبقى الله في العمر نكمل على مؤلفات الرجل وأقواله فإن تبيين مثل هذه الأمور أهم من كثير مما ينشر بين الناس خصوصاً تصحيح كثير من المشتغلين بالعلم هذه الأخبار وتمشيتها واعتقادهم بالرجل بأنه حافظ ولا يبحث خلفه وأنه في مصاف كبار الحفاظ وأئمة الحديث
وإنما الأمر ببساطة فيما يظهر لي أنه صنف في زمن ضعف فيه الإنكار وضعف فيه أهل الصنعة العالمون بها لذلك تساهل الناس وإلا فإني أكاد أجزم بأنه لو كان في زمن الرواية لكان للأئمة معه شأن آخر فإن حرصهم على الشريعة وعلى تنقيح الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضح وأجلى من أن يذكر هاهنا رحمهم الله ورضي عنهم ...


قناتي في تليغرام : https://t.me/a_altememe


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |