مائة فائدة من أخبار الإمام أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري


مصوراً  [ من هنا  ]
 مائة فائدة من أخبار الإمام
 أبي عبد الله
 سفيان بن سعيد الثوري
 رحمه الله تعالى





جمعه وذيله بالفوائد
عبد الله بن سليمان التميمي
عفا الله عنه


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد منّ الله عزوجل علي وجمعت سلسلة من الآثار والفوائد وأرسلتها لإخواني في كل مكان من خلال برامج التواصل الاجتماعي وغيرها
ولم تكن النية أصلا لجمعها في جزء ولكن كنت كلما اجتمعت مادة عندي في ملاحظات الهاتف
أضفت لها بعض الفوائد والتنبيهات  وراجعتها ونشرتها ليسهل الاحتفاظ بهذه الفوائد ويسهل الرجوع إليها
فكان من ذلك :
1- مائة فائدة من كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى ( انظره من هنا )
2- مائة فائدة من كتاب الغريب لإبراهيم الحربي رحمه الله تعالى ( انظره من هنا )
3- مائة فائدة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ( انظره من هنا )
واليوم مع مائة فائدة من أخبار إمام جبل حافظ , إمام في الزهد والورع والحديث والفقه
 أجمع المسلمون قاطبة بكل أطيافهم سنيهم ومبتدعهم ومن انتسب إليهم , على وثاقته وإمامته لا يختلف في ذلك اثنان
وهو الإمام الحافظ : سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي رحمه الله تعالى
وهو أشهر من الدنيا عند أهل الدنيا ..!
وهو من طبقة أتباع التابعين ولد عام ( 97 هـ ) وتوفي عام ( 161 ه )
وقبل سرد هذه الفوائد أود أن أذكر بعض ما جاء في مدح هذا الإمام والثناء عليه وليست هذه الآثار ولا هذه المقدمة على سبيل الحصر ولا تفي لهذا المقام حقه ففي ترجمته في كتاب الجرح والتعديل فقط شيء كثير أكبر من هذا الجمع  فكيف في ترجمته في تاريخ بغداد وفي حلية الأولياء وهي لوحدها قريب من نصف مجلد متوسط  وكيف بالتواريخ وكتب التراجم الأخرى بل لو جمعت في فقهه وعلمه وزهده وكلماته لاحتاج الأمر لأكثر من مجلد بلا شك
ولكن نستطيع أن نقول أن هذه نبذة يسيرة عن هذا الإمام رحمه الله تعالى لعل الله ينفعنا وإياكم بها


( * ) قال عبد الله بن أحمد في [ العلل  1180 ] :
كان يحيى بن سعيد ( يعني القطان ) لا يعدل بسفيان أحداً يقدمه.
( يعني من أقرانه مثل شعبة ومالك وزهير وزائدة وغيرهم )
( * ) قال عبد الله بن أحمد [ العلل  3855 ] :
 حدثني صالح بن علي الهاشمي قال : سمعت أحمد بن محمد بن حنبل يقول :
حفاظ الحديث ، أو المتثبتين في الحديث ، أربعة :
 سفيان الثوري ،وشعبة ، وزهير، وزائدة.
( * ) قال عبد الله بن أحمد [ العلل  6057 ] :
 حدثني الحسن بن عيسى. قال: سمعت ابن المبارك : لا نختار على سفيان أحداً.
( * )  قال الإمام أحمد [ مسائل ابن هانيء 2136 ]  :
زائدة ، وزهير ، وسفيان لا تكاد تجد مثلهم .

( * ) قال الإمام أحمد [ مسائل ابن هانيء 2163 ] :
علم الناس إنما هو: عن شعبة ، وسفيان ، وزائدة ، وزهير، هؤلاء أثبت الناس .
وأعلم بالحديث من غيرهم.
قلت ( ابن هانيء ) : إن اختلف سفيان،وشعبة في الحديث ،فالقول قول من ؟
قال : سفيان أقل خطأ ،وبقول سفيان آخذ .
( * ) قال الإمام أحمد [ مسائل ابن هانيء 2165 ]  :
الثوري أعلم بحديث الكوفيين ومشايخهم من الأعمش .
( * )  قال الإمام أحمد [ العلل برواية المروذي 45 ]  : سفيان حجة .
( * ) قال الإمام أحمد [ الجرح والتعديل 4 / 927 ]   : سفيان أحفظ للإسناد وأسماء الرجال من شعبة .
( * ) قال الإمام أحمد [ تاريخ بغداد 9 / 170 ]  : كان الثوري أحفظ وأقل الناس غلطاً  .
( * ) قال أبو بكر المروذي [ تاريخ بغداد 10 / 233  ] :
سمعت أبا عبد الله ( يعني الإمام أحمد ) : وذكر سفيان الثوري ، فقال : ما يتقدمه في قلبي أحد.
ثم قال : تدري من الإمام ؟ الإمام سفيان الثوري.
( * ) قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي [ الجرح والتعديل 1 / 10 ] :
أئمة الناس في زماننا أربعة :
سُفيان الثَّوري بالكوفة ، ومالك بالحجاز ، والأَوزاعي بالشام، وحَمَّاد بن زيد بالبصرة .

( * ) قال الإمام محمد بن إدريس الحنظلي الشهير بأبي حاتم الرازي [ الجرح والتعديل 1 / 10  ] :
الحجة على المسلمين الذين ليس فيهم لبس :
سُفيان الثَّوري ، وشُعبة ، وحَماد بن زيد ، وسفيان بن عُيَينة ، وبالشام الأَوزاعي.

( * ) قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [ 1 / 55 ] :
 حدثني أَبي،حَدثنا أَحمد بن عَبد الله بن يُونُس قال :
 ذكر سُفيان الثَّوري عند زائدة فقال: ذلك أعلم الناس في أنفسنا.
زائدة هو ابن قدامة الإمام الحافظ .
( * ) قال الإمام عبد الله بن المبارك [ الجرح والتعديل 1 / 55 ]  :
لاَ أعلمُ على وجه الأَرض أعلمُ من سُفيان الثَّوري .
وقال: ما رأَيت أحدًا خيرًا من سفيان.
وقال أيضاً : ما رأَيت مثل سفيان.
وقال أيضاً : ما رأَيت مثل سُفيان ،كأَنه خلق لهذا الشأن.
وقال أيضاً : كنت إِذا أعياني الشيء أتيت سُفيان أساله فكأنما أغتمسه من بحر .
وقال أيضاً : ما نعت لي أحد فرأيته إِلاَّ وجدته دون نعته إِلاَّ سُفيان الثَّوري .
( * ) وقال الإمام عبد الله بن إدريس الأودي [ الجرح والتعديل 1 / 55 ]  :
ما رأَيت بالكوفة أحدًا أود أَني في مسلاخه إِلاَّ سُفيان الثَّوري.
( * ) وقال ابن أبي حاتم [ في تقدمة الجرح والتعديل ] :
 حَدثنا صالح بن أَحمد بن حَنبل ، قال : قال أَبي :
قال سُفيان بن عُيَينة : لن ترى بعينك مثل سُفيان حتى تموت.
قال أَبي: هو كما قال.
( * ) قال علي بن المَدينيّ [ تقدمة الجرح والتعديل ] :
 أَصحاب عَبد الله يَعني ابن مسعود - : ستة الذين يقرؤون ويفتون.
ومن بعدهم أربعة .
ومن بعد هؤلاء سُفيان الثَّوري ،كان يذهب مذهبهم ويفتي بفتواهم.
وكان أعلم الناس بأبي إِسحاق ، والأَعمش بحديثهم وطريقتهم .
وقال علي أيضاً : نظرت فإذا الإِسناد يدور على ستة : الزُّهْري ، وعَمرو بن دينار ، وقتادة , ويحيى بن أَبي كثير، وأَبو إِسحاق ، والأَعمش.
ثم صار علم هؤلاء الستة من أهل الكوفة إلى : سُفيان الثَّوري ... وذكر البقية
( * ) ذكر عند الإمام أحمد ومالك : الأوزاعي وسفيان فقال الإمام مالك  : سُفيان أوسعهما علما.ووافقه الإمام أحمد [ تقدمة الجرح والتعديل ]
( * )  وقال الإمام الآجري رحمه الله تعالى [ كتاب الشريعة ] :علامة من أراد الله به خيرا : سلوك هذا الطريق ، كتاب الله ، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان ، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد إلى آخر ما كان من العلماء مثل الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، والقاسم بن سلام ، ومن كان على مثل طريقتهم ، ومجانبة كل مذهب يذمه هؤلاء العلماء .انتهى
رحم الله هذا الإمام وجمعنا به في جنات النعيم بمنه وكرمه ورحمة منه وفضل
وهذه مائة من الآثار الجليلة التي يرحل لها , هاكها يا طالب الفائدة بلا عناء , ويكفي جامعها منك الدعاء ..
نسأل الله عزوجل أن يجعلنا وإياكم ممن يعلم ويعمل ويسمع وينتفع... والحمد لله رب العالمين
1- قال الإمام الحافظ أحمد بن عبد الله بن يونس :
سمعت سفيان الثوري ما لا أحصي يقول : اللهم سلم سلم , اللهم سلمنا منها إلى خير
وارزقنا العافية في الدنيا والآخرة  [ مسند ابن الجعد للبغوي 1866 ]
[ ( اللهم سلم سلم ) هذا دعاء الأنبياء يوم القيامة , وقد روى ابن الجوزي في مناقب أحمد عن جمع أنهم كانوا يقولونه وروي عن عمر بن العزيز , ونقل صالح عن أبيه الإمام أحمد أنه كان يكثر منه ]

2- قال الإمام الحافظ أحمد بن عبد الله بن يونس : قال رجل لسفيان وأنا أسمع :
يا أبا عبد الله , أوصني ؟
فقال : , إياك والأهواء , إياك والخصومة , إياك والسلطان ( يعني لا تقربه ) [ مسند ابن الجعد 1819 ]
[ قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 29 / 41 ) : أهل الأهواء و الخصومات فهم مذمومون في مناقضاتهم لأنهم يتكلمون بغير علم و لا حسن قصد . انتهى وللإمام أحمد رسالة نفيسة في ذم الجدل والخصومات نقلها عنه ابنه صالح في مسائله فلتنظر هناك
وفي الباب حديث [ من أتى أبواب السلاطين افتتن ] , وفتنة السلاطين وأهل المال ظاهرة لا تخفى على أحد
قال الحافظ المروذي في كتاب أخلاق الشيوخ [ 42 ]:   سَمِعْتُ عَبَّاسًا الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ:
 قَدْ فَعَلَ سُفْيَانُ فِعْلا صَارَ فِيهِ قُدْوَةً، هَرَبَهُ مِنَ السُّلْطَانِ.
( بشر بن الحارث هو الحافي الإمام الزاهد المعروف , ومراده أن سفيان صار قدوة للصالحين في هذا واتبعوه واستحسنوا فعله )
قَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَحْمَدَ ( يعني ابن حنبل )  عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْهَرَوِيِّ  ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ وَسِخٌ .
 فَقُلْت مَا قَوْلُك إنَّهُ وَسِخٌ  ؟ قَالَ : مَنْ يَتْبَعُ الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ فَهُوَ وَسِخٌ ( ذكره ابن مفلح الآداب الشرعية ) ]

3- قال سفيان : إذا أردت أن تتزوج , فأهدِ إلى الأم ( يعني أم الزوجة ) [ مسند ابن الجعد للبغوي 1842 ]
[ قلت : مراده والله أعلم أنك ترسل بهدية إلى أم زوجتك فتكسب ودها , لأن للأُم تأثيراً على ابنتها بلا شك , فهذه وصية نافعة من رجل عاقل ]

4- قال رجل لسفيان : دلني على رجل أجلس إليه ؟
فقال سفيان : تلك ضالة لا توجد ! [ مسند ابن الجعد 1868 ]
[ مراده : أن هذا صعب أن أدلك على رجل أزكيه فتأخذ من علمه وهديه وزهده وورعه ليس بالأمر السهل والله أعلم ]
5- قال الإمام سفيان :وجدتُ الأمرَ : الاتِّباع ( يعني إتباع من سلف من الصحابة والتابعين ) [ مسند ابن الجعد 1847 ]
( * ) وقال الإمام عبد الله بن المبارك : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: إِنَّمَا الْعِلْمُ كُلَّهُ : الْعِلْمُ بِالْآثَارِ [ المدخل للبيهقي 235 ] [ قال الإمام أحمد : الِاتِّبَاعُ: أَنْ يَتَّبِعَ الرَّجُلُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ... ( مسائل أبي داود ) ]

6- قال الإمام سفيان : إني لأدعو للسلطان , وأدعو لأصحاب الأهواء , ولكن لا أستطيع أن أذكر إلا ما فيهم [ مسند ابن الجعد 1901 ]
[ وهذا فقه عميق أن تدعو له بالهداية والصلاح , ولا تطيعه في معصية الله ولا تداهنه وتبين للناس دينهم وما يتوجب عليهم .
فإن الموصوف بالعلم إذا سكت مطلقاً  على ما يفعله الولاة من المنكرات حسب الناس أنه حق أو به رخصة فتقحموا في البدع والمعاصي والواجب قول كلمة الحق وإنكار المنكر كل بحسب طاقته , وهذا فعل السلف والأئمة .
 ولقائل أن يقول : فكيف بمن يزين لهم ويبرر أخطاءهم وجناياتهم على الشرع ؟! لاشك أن هذا أشد ممن سكت
ويراجع في تحرير هذه المسألة بشكل واضح كتاب أخبار الشيوخ وأخلاقهم للحافظ المروذي رحمه الله تعالى ]

7- كتب الإمام سفيان الثوري إلى محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب الإمام الحافظ :
من سفيان بن سعيد إلى محمد بن عبد الرحمن : سلام عليكَ
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو
وأوصيك بتقوى الله , فإنك إن اتقيت الله كفاك الناس , وإن اتقيت الناس فلن يغنوا عنك من الله شيئاً , فعليك بتقوى الله [ مسند ابن الجعد 1902 ]

8- قال علي بن ثابت رحمه الله :
ما رأيت سفيان الثوري في صدر مجلس قط , إنما كان يقعد إلى الحائط ويجمع بين ركبتيه [ مسند ابن الجعد 1904 ]
9- قال عبد الرزاق الصنعاني الحافظ صاحب المصنف : كنت إذا لقيت سفيان لم أستوحش إلى أحد [ مسند ابن الجعد 1785 ][ قال ابن القيم رحمه الله : فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا انتهى ( إغاثة اللهفان )   قلت : وسفيان كان من أعلم الناس بالسابقين الصالحين لذلك لا يستوحش من جلس معه ولا يشعر بفقد أحد ]
10- قال سفيان : إذا رأيت الرجل يحرص على أن يؤم ( يعني يكون إماما ) فأخره [ مسند ابن الجعد 1787 ]
[ هذا فقه مأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : إِنَّا وَاللَّهِ لاَ نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ ، وَلاَ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ ( متفق عليه واللفظ لمسلم ) ]

11- كان الإمام سفيان يدعو فيقول : اللهم سلم سلم , اللهم بارك لي في الموت , وفيما بعد الموت [ مسند ابن الجعد 1796 ]
12- قال يوسف بن أسباط :كان أبي قدرياً , وأخوالي روافض فأنقذني الله بسفيان[ مسند ابن الجعد 1803 ]
[ هذا من فضل الله عليه عزوجل أن وفقه لصحبة رجل صالح وقال أبو بكر بن عياش : إِنِّي لَأَرَى الرَّجُلَ قَدْ صَحِبَ سُفْيَانَ فَيَعْظُمَ فِي عَيْنِي ( مسند ابن الجعد  1874 ) ]

13- قال الإمام سفيان : البدعة أحبُّ إلى إبليس من المعصية .
 المعصية يتاب منها , والبدعة لا يتاب منها [ مسند ابن الجعد 1809]
[ أقول : هذه كلمة جليلة وليس مراده التقليل من شأن المعاصي لا بل المراد هو التعليل المذكور في الأثر كما فهمه عامة علماء الإسلام
أن البدعة صاحبها لا يتوب لأنه يظن أنه يحسن وأنه مصيب فكيف يتوب من الإصابة
لذلك هي أحب إلى إبليس من المعصية التي يظن صاحبها أنه مخطئ وأنه سيتوب وهكذا
والمعاصي بريد الكفر وأول حجاب للقلب عن الله عزوجل والبدعة شر من ذلك فهي استدراك على الشرع
ولا تنتشر بدعة إلا وخفيت سنة مكانها , وقد روي هذا المعنى عن أيوب والفضيل بن عياض وغيرهم
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
قَالَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّ الْبِدْعَةَ أَحَبُّ إلَى إبْلِيسَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ لَا يُتَابُ مِنْهَا وَالْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا.
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْبِدْعَةَ لَا يُتَابُ مِنْهَا: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ الَّذِي يَتَّخِذُ دِينًا لَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ قَدْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَهُوَ لَا يَتُوبُ مَا دَامَ يَرَاهُ حَسَنًا , لِأَنَّ أَوَّلَ التَّوْبَةِ الْعِلْمُ بِأَنَّ فِعْلَهُ سَيِّئٌ لِيَتُوبَ مِنْهُ.
أَوْ بِأَنَّهُ تَرَكَ حَسَنًا مَأْمُورًا بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ لِيَتُوبَ وَيَفْعَلَهُ.  , فَمَا دَامَ يَرَى فِعْلَهُ حَسَنًا وَهُوَ سَيِّئٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَا يَتُوبُ.
وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مِنْهُ مُمْكِنَةٌ وَوَاقِعَةٌ بِأَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ وَيُرْشِدَهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ  , كَمَا هَدَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ هَدَى مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَطَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ  , وَهَذَا يَكُونُ بِأَنْ يَتَّبِعَ مِنْ الْحَقِّ مَا عَلِمَهُ فَمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .انتهى ]

14- قال الإمام سفيان : وددت أني في موضع لا أُعرفُ فيه , من غير أن أُستذل [ مسند ابن الجعد 1857 ]
[ هذا من صدقه رحمه الله تعالى   وقد روي عن إبراهيم بن أدهم العابد أنه قال : لَمْ يصَدقِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ (الزهد لأحمد 2240 )]
15- قال الإمام سفيان : دخلت مع سلمة بن كهيل إلى المسجد فرأى حلقة من أصحاب الرأي جلوساً في ناحية
فقال لي بالنبطية : برهز من هانييعني : تنحّ من هؤلاء [ مسند ابن الجعد 1858 ]
[ وقد عمل سفيان بهذه الوصية فكان من أكثر الناس حطاً على أهل الرأي ومجانبتهم ومحاربتهم ومن أكثر الناس إتباعاً للأثر والحث عليه ]

16- قال الإمام الحافظ يحيى بن سعيد القطان : كان سفيان الثوري لا يزيد أحداً وإن غاب عنه سنين على : كيف أنتم ؟ [ مسند ابن الجعد 1896 ]

17- كان الإمام سفيان الثوري يقول : إني لأفرح بالليل إذا جاء [ مسند ابن الجعد 1909 ]
[ وهذا حال الصالحين يحبون الليل وأوقات العبادة لأنها كانت تقربهم لربهم عزوجل
قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين حضرته الوفاة : ما آسى على شيء إلا على ظمأ الهواجر ( يعني الصيام )  ومكابدة الليل ( يعني قيامه والعبادة فيه والدعاء ) ( المحتضرين لابن أبي الدنيا  206 ) ]

18- قال الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين : كان سفيان إذا ذكر الموت , مكث أياماً لا ينتفع به
فإن سئل عن شيء قال : ما أدري , ما أدري [ مسند ابن الجعد 1910 ]

19- قال المبارك بن سعيد أخو سفيان :
رأيت عاصم بن أبي النجود يأتي سفيان يستفتيه , ويقول : أتيتنا صغيراً , وأتيناك كبيراً [ مسند ابن الجعد 1914 ][ عاصم هو ابن بهدلة وهو شيخ الثوري وسمع منه الحديث ,  لكنه تعلم وتفقه حتى أتاه شيخه يستفتيه ويستفيد منه والعلم خزائن يقسم الله لمن أحب كما قال الإمام أحمد رحمهم الله جميعاً ]

20- قال الإمام سفيان : بلغنا أنه كان يقال : إنك إن تبيت نائماً وتصبح نادماً خيرٌ من أن تبيت قائماً وتصبح معجباً
وإنك إن تضحك وأنت خائف , خيرٌ من أن تبكي وأنت مدل
إن عمل المدل لا يصعد إلى السماء [ مسند ابن الجعد 1892 ]
[ المدل يعني المعجب بعمله والمستكثر به :
قال ابن القيم : وَمَا أَقْرَبَ هَذَا الْمُدِلَّ مِنْ مَقْتِ اللَّهِ، فَذَنْبٌ تَذِلُّ بِهِ لَدَيْهِ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَةٍ تُدِلُّ بِهَا عَلَيْهِ
 وَإِنَّكَ أَنْ تَبِيتَ نَائِمًا وَتُصْبِحَ نَادِمًا، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبِيتَ قَائِمًا وَتُصْبِحَ مُعْجَبًا ,  فَإِنَّ الْمُعْجَبَ لَا يَصْعَدُ لَهُ عَمَلٌ
 وَإِنَّكَ إِنْ تَضْحَكْ وَأَنْتَ مُعْتَرِفٌ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبْكِيَ وَأَنْتَ مُدِلٌّ
 وَأَنِينُ الْمُذْنِبِينَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ زَجَلِ الْمُسَبِّحِينَ الْمُدِلِّينَ ( مدارج 1 / 195 ) ]

21- قال الإمام سفيان : أمتع الله بك مكروه , إنما هذا قول العمال [ مسند ابن الجعد 1892 ]
[ قد ورد كراهة هذا اللفظ عن غيره أيضاً فقد روى أبو حاتم الرازي في كتاب الزهد ( 81 ) عن القاسم بن مخيمرة التابعي الصغير  أنه
 كان يكره أن يقال : أمتع الله بك , ويقول هي دعوة محدثة .
والعمال هم أعوان الملوك ووزرائهم وخدامهم وهذه الكلمة يقولونها للملوك وقد عرض هذا الأمر على الإمام أحمد فقال لا أدري ما هذا – ولعله أراد لا يدري أهو أثر أم شيء رآه سفيان وقال إسحاق هو مكروه كما قال سفيان ( مسائل الكوسج 3331 ) وقد كره الإمام أحمد قولهم أبقاك الله واختاره شيخ الإسلام ونصره وقال هو مذهب أحمد والأئمة واحتجوا بحديث لقد سألت آجالاً مضروبة  وفي الباب أخبار أخرى وقد روي عند النسائي أن النبي دعا لامرأة بطول العمر وفي الباب حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بكثرة المال والولد وهذا عادة لا يكون إلا بطول العمر وقد يقال لو قيد بالطاعة والإيمان فهو حسن  والأمر يحتاج مزيد نظر ليس هذا محل بسطه , وعندي والله أعلم أن الإمام سفيان كره التشبه بهؤلاء الملوك وما يفعل عندهم وكرهه أن يتخذهم الناس قدوات يتبعونهم ويفعلون مثل ما يفعل عندهم وقد تواتر عنه مباينتهم والابتعاد عنهم وكراهة أحوالهم  وهذا وجيه والله أعلم ]
22- كان أبو إسحاق الفزاري الإمام يقول :  إذا مات ابن عون والثوري استوى الناس [ مسند عمر ليعقوب بن شيبة 33 ]
23- كان الثوري من جملة العلماء الذين يستحبون أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده [ ذكر ذلك ابن رجب في شرح البخاري 4 / 268 ]

24- { وإن كنتم من قبله لمن الضالين } قال سفيان : من قبلِ القرآن [ تفسير ابن أبي حاتم 1858 ]

25- { ويحذركم الله نفسه } قال سفيان : من رأفته بكم تحذيره إياكم نفسه جل وعلا [ تفسير ابن أبي حاتم 3387 ]

26- { بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } قال سفيان : دراية الفقه [ تفسير ابن أبي حاتم 3755 ]
[ روي هذا عن جماعة غيره رحمهم الله ]

27- وكان الإمام سفيان قد جعل على نفسه كل ليلة :
جزءاً من القرآن , وجزءاً من الحديث .
فيقرأ جزأه من القرآن , ثم يجلس على الفراش فيقرأ جزأه من الحديث
 ثم ينام [ تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص 96 ]
[ هذه حال الصالحين من الصحابة والتابعين قال التابعي قتادة : كَانُوا يَنَامُونَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَخَذُوا وَاللَّهِ مِنْ نَوْمِهِمْ وَلَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ مَا تَقَرَّبُوا بِهِ إِلَى رَبِّهِمْ. ( الزهد لأحمد ) ]

28- قال الإمام سفيان : كان من دعائهم ( يعني السلف )
اللهم زهدنا في الدنيا , ووسع علينا منها
ولا تزو بها عنا , وترغبنا بها [ الزهد لابن أبي الدنيا 231 ]
[ مرادهم أن يكون لنا كفاية فلا نحتاج أن نذل للناس ولا نحتاجهم , ولا يحرمون من الدنيا ثم يرغبون بها فتشغلهم وتشغل قلوبهم
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ( متفق عليه ) يعني قوت يومهم لا يحتاجون لأحد
وقال صلى الله عليه وسلم : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ( خرجه مسلم )
وقال التابعي قتادة : خير الرزق ما لا يُطغيك ولا يُلهيك ( تفسير الطبري )
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كِفَايَةٌ احْتَاجَ إلَى النَّاسِ وَإِلَى الْأَخْذِ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ , فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُمْ شَيْئًا إلَّا أَكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ وَعِرْضِهِ أَضْعَافَهُ , وَقَدْ كَانَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ شَيْءٌ مِنْ مَالٍ , وَكَانَ لَا يَتَرَوَّى فِي بَذْلِهِ وَيَقُولُ : لَوْلَا ذَلِكَ لَتَمَنْدَلَ بِنَا هَؤُلَاءِ ; فَالْعَالِمُ إذَا مُنِحَ غِنَاءً فَقَدْ أُعِينَ عَلَى تَنْفِيذِ عِلْمِهِ , وَإِذَا احْتَاجَ إلَى النَّاسِ فَقَدْ مَاتَ عِلْمُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ ( إعلام الموقعين ) ]

29- قال رجل لسفيان الثوري : أيش أصنع إذا ضرب الناقوس ؟ ( يعني جرس الكنيسة )
فقال له سفيان : أيش تصنع إذا ضرط الحمار ؟! [ المخلصيات 2129 ]

30- قال الإمام سفيان :  من كان في المسجد ( يعني جالساً ) ولم يرَ أنه في صلاة , فلم يفقه [ المخلصيات 2328 ] [ هذا لكثرة الأخبار الواردة في هذا المعنى حتى لا تكاد تغيب عن أحد ]


31- قال الإمام سفيان : حق الولد على الوالد : أن يحسن اسمه , وأن يزوجه إذا بلغ ,وأن يحسن أدبه [ البر والصلة لابن المبارك 155 ]
[ هذه وصية جليلة والمشهور تذكير الأبناء بحقوق الآباء لكن من فقه هذا الإمام تفطن لهذا الأمر ونبه عليه
قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما : إن الوالد مسئول عن الولد والولد مسئول عن الوالد - يعني في الأدب والبر- ( المخلصيات 2998 ) , يعني الوالد مسؤول عن الولد في الأدب - وهو التربية - , والولد مسؤول عن بر والده ]

32- قال الإمام سفيان : العلماء ثلاثة :
عالم بالله عزوجل , عالمٌ بأمرهِ , فذلك العالم الكامل
وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله عزوجل
وعالم بأمر الله , ليس بعالم بالله , فذلك العالم الفاجر [ تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم – مسند الدارمي ]
[ قال الحسن البصري : الْعِلْمُ عِلْمَانِ, فَعِلْمٌ فِي الْقَلْبِ, فَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ (مقدمة مسند الدارمي )
وقال التابعي حبيب بن عبيد : كانَ يُقَالُ: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَانْتَفِعُوا بِهِ، وَلَا تَعَلَّمُوهُ لِتَجَمَّلُوا بِهِ, فَإِنَّهُ يُوشِكُ إِنْ طَالَ بِكُمْ عُمُرٌ أَنْ يَتَجَمَّلَ ذُو الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ, كَمَا يَتَجَمَّلُ ذُو الْبِزَّةِ بِبِزَّتِهِ ( مقدمة مسند الدارمي ) ]
33- قال سفيان الثوري : كان يقال : اتقوا فتنة العابد الجاهل , والعالم الفاجر
فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون [ تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ]
[ قال شيخ الإسلام : كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ: احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ، وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ؛ فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ، فَطَالِبُ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِطَلَبِهِ فِعْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَتَرْكُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِلَّا وَقَعَ فِي الضَّلَالِ (  مجموع الفتاوى )
وقال أيضاً رحمه الله : ولهذا كان السلف يقولون احذر فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون، وكانوا يقولون: من فسد من العلماء شبه باليهود، ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى فمن دعا إلى العلم دون العمل المأمور به كان مضلاً وأضل منهما من سلك في العلم طريق أهل البدع فيتبع أموراً تخالف الكتاب والسنة يظنها علوماً وهي جهالات، وكذلك من سلك في العبادة طريق أهل البدع فيعمل أعمالاً تخالف الأعمال المشروعة يظنها عبادات وهي ضلالات فهذا وهذا كثير في المنحرف المنتسب إلى فقه أو فقر، يجتمع فيه أنه يدعو إلى العلم دون العمل، والعمل دون العلم، ويكون ما يدعو إليه فيه بدع تخالف الشريعة، وطريق الله لا تتم إلا بعلم وعمل يكون كلاهما موافق الشريعة (  جامع المسائل ) ]

34- قال زيد بن الحباب :رأيت سفيان إذا سئل عن المسائل قال : لا أدري
حتى يظن من رأى سفيان ولا يعرفه , أنه لا يحسن من العلم شيئاً ..! [ مسند ابن الجعد 1851 ]
[ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : من علِم فليقل  , ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم , فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم : لا أعلم
فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين }  (  صحيح  البخاري ٤٧٧٤ )
قال الإمام مالك رحمه الله :   سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده :
 لا أدري  , حتى يكون أصلاً منه في أيديهم
 حتى إذا سئل أحدهم عما لا يعلم ,  قال : لا أدري . (يعني لا يستحي من ذلك ولا يسكتبر ) (  أبو زرعة الدمشقي في تاريخه  1016 )
( ابن هرمز تابعي جليل كان الإمام مالك يعظمه ويجله ويتعلم منه )
روى الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي صاحب السنن ( المجتبى ) في كتابه [ ط المعرفة ص 662  وما بعدها ]
بأسانيد أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سئل عن امرأة تزوجت فمات زوجها قبل أن يحدد لها مهراً ولم يدخل بها ؟
فقال : [ سلوا , هل تجدون فيها أثراً  ] ؟ وقال في رواية : [ ما سئلت منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليّ فأتوا غيري ]
وقالوا له [ يا أبا عبد الرحمن لم نجد فيها أثرا  ? ]
وقال [ اختلفوا إليه شهراً - يعني أصحاب الفتوى وهو لا يجيبهم - فقالوا : من نسأل إذا لم نسألك ؟ وأنت من جلّة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا البلد ولا نجد غيرك ؟! ] فقال ابن مسعود : [ أقول برأيي فإن كان صواباً فمن الله ]
وقال : [ سأقول فيها بجهد رأيي فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له , وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان , والله ورسوله منه براء ]
ثم قال : [ لها كمهر نساءها لا وكس ولا شطط , ولها الميراث وعليها العدة ] فلما شهد له أحد الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بمثل ما قضى به قالوا [ فما رئي عبد الله بن مسعود فرح فرحه يومئذ إلا بإسلامه ]وقالوا : [ فرفع عبد الله بن مسعود يديه وكبر ]
( هذا الحديث هو المشهور بحديث بروع بنت واشق , وقد صححه الإمام أحمد واحتج به في أكثر من ست مواضع , وصحح الدارقطني مرسل الشعبي ومرسل إبراهيم النخعي عن عبد الله وكلاهما قوي جداً  ) ]
35- قال الإمام سفيان : ما أعلم اليوم شيئاً أفضل من طلب العلم .
فقيل له : إنه ليس لهم فيه نية ؟ فقال : طلبهم له نية [ مسند ابن الجعد 1914 ]
[ قال حبيب بن ثابت : طلبت الحديث وليست لي فيه نية ، ثم كانت بعد ( الجعديات ٥٤٦ )
قال الحافظ  معمر بن راشد ( من أتباع التابعين ) كان يقال :  إن الرجل ليتعلم العلم لغير الله عزوجل
 فيأبى الله عزوجل عليه حتى يكون لله عزوجل (  المعرفة والتاريخ ليعقوب  2 / 820  )
مراده أنه مع كثرة طلبه للعلم ومرور الزواجر والنواهي مع حياة القلب يُصلح الله النية بفضله ورحمته  ]

36- قال يحيى بن يمان : تجهزت , إلى مكة , وسفيان بها , فقال لي سعيد أبوه ( يعني والد سفيان ) : قل لابني ( سفيان ) يقدم ( يعني يرجع إلي ) فلقيني سفيان فسألني عنه ؟
فقلت : هو صالح , ويقول لك : أقدم
قال : فتجهز للقدوم ثم قال : إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء [ تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص 125 ]
[ هذا من عظيم فضله وطاعته لربه عزوجل حيث أمر بطاعتهما بالمعروف وفي الباب آيات أحاديث وآثار ليس هذا موضع بسطها
وسئل الإمام التابعي الحسن البصري عن البر والعقوق ( للوالدين )
فقال : البر أن تبذل لهما ما ملكت , وأن تطيعهما فيما أمراك به , ما لم يأمراك بمعصية
والعقوق : أن تهجرهما , وتحرمهما (  البر والصلة لابن المبارك 10  ) ]

37- روى أبو نعيم عن سفيان أنه قال : إرضاء الخلق غاية لا تدرك  [ الحلية 8 / 338 ]
[ قال يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ:  يَا أَبَا مُوسَى رِضَاءُ النَّاسِ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ لَيْسَ إِلَى السَّلَامَةِ مِنَ النَّاسِ سَبِيلٌ. فَانْظُرْ مَا فِيهِ صَلَاحُ نَفْسِكَ فَالْزَمْهُ وَدَعِ النَّاسَ وَمَا هُمْ فِيهِ ( العزلة للخطابي والمناقب للآبري ومعناه في مصادر أخرى )

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ورضي عنه :
فالواجب ما في حديث عائشة الذي بعثت به إلى معاوية ويروى موقوفا ومرفوعا:  [ من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ]
 وفي لفظ: [ رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا ]
 وفي لفظ: [ وعاد حامده من الناس ذاما ] وهذا يجري فيمن يعين الملوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة  
وفيمن يعين أهل البدع المنتسبين إلى العلم والدين على بدعهم ( المستدرك على مجموع الفتاوى 1 / 163 ) ]


38- قال الإمام سفيان : كانوا يكرهون الشهرتين :
الثياب الجياد التي يشتهر فيها ويرفع الناس فيها أبصارهم
والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستذل فيها [ إصلاح المال لابن أبي الدنيا 334 ]
[ وعاتب بعض السفهاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه في لباسه فقال له علي :
مَا لَكُمْ وَلِلِّبَاسِ هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الْكِبْرِ، وَأَجْدَرُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِيَ الْمُسْلِمُ.(  زوائد مسند أحمد 703 )
قال الإمام الشعبي : ألبس من الثياب ما لا يزدريك فيه السفهاء ولا يعيبه عليك العلماء  ( حلية الأولياء 4 / 318 )
وقال إبراهيم النخعي : لَا تَلْبَسْ مِنَ الثِّيَابِ مَا يَشْتَهِرُكَ الْفُقَهَاءُ وَلَا يَزْدَرِيكَ السُّفَهَاءُ ( التواضع لابن أبي الدنيا 63 ) ]

39- قال الإمام سفيان : الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الدنيا [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[قال أبو داود السجستاني الإمام صاحب السنن : الشهوة الخفيَّة حُبُّ الرِّئاسة ( الطيوريات – تاريخ بغداد ترجمته )
وكان داود الطائي العابد يقول : إنما الزاهد من قَدِرَ , فترك ..( الزهد الكبير 45 ) ]


40- قال الإمام سفيان :أن نبي الله شعيب عليه السلام كان يسمى خطيب الأنبياء [ تفسير ابن أبي حاتم 11999 ] [ هذا صح عن غيره أيضاً ]
41- { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً }  قال الإمام سفيان : نفع الآخرة [ تفسير ابن أبي حاتم 4910 ] [ هذا صح عن غيره أيضاً ]

42- قال رجل لسفيان ادعُ لي ؟
فقال سفيان : إن ترك الذنوب هو الدعاء [ تفسير الطبري 20 / 354 ]
[ قال الحافظ ابن رجب :فما استجلب العبد من الله ما يحب واستدفع منه ما يكره بأعظم من اشتغاله بطاعة الله وعبادته وذكره وهو حقيقة الإيمان ، فإن الله يدفع عن الذين آمنوا...
قال بعضُ التابعينَ: لو أطعتمُ اللَّهَ ما عصاكُم , يعني: ما منعكُم شيئًا تطلبونَهُ منه.
وكان سفيانُ يقولُ: الدعاءُ تركُ الذنوبِ , يعني: الاشتغالَ بالطَّاعَةِ عن المعصية. ( شرح البخاري 1 / 8 ) ]


43- { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون }  قال سفيان : كلما أخطؤوا خطيئة أنعمنا عليهم نعمة , وأنسيناهم الاستغفار [ المخلصيات 2352 ]
[ قال ابن القيم : وَلَذَّةُ أَصْحَابِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْبَغْيِ فِي الْأَرْضِ وَالْعُلُوِّ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
وَهَذِهِ اللَّذَّاتُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ اسْتِدْرَاجٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِيُذِيقَهُمْ بِهَا أَعْظَمَ الْآلَامِ، وَيَحْرِمَهُمْ بِهَا أَكْمَلَ اللَّذَّاتِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدَّمَ لِغَيْرِهِ طَعَامًا لَذِيذًا مَسْمُومًا؛ يَسْتَدْرِجُهُ بِهِ إِلَى هَلَاكِهِ، قَالَ تَعَالَى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ - وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِهَا: كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أَحْدَثْنَا لَهُمْ نِعْمَةً ( الجواب الكافي ) ]

44- { ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم }
قال سفيان : يغفر لمن شاء الكثير من الذنوب .
 ويعذب من شاء على الصغيرة [ تفسير ابن أبي حاتم 3 / 758 ]


45- قال رجل لسفيان الثوري : رأيت كأن ريحانة من الشام رفعت ( يعني في المنام )
فقال سفيان : إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي مغرب ذلك اليوم
قال الرجل : فوجدت موت الأوزاعي فيه [ مسند عمر ليعقوب بن شيبة  30 ]

46- قال الإمام الحافظ يحيى بن سعيد القطان : رأيت سفيان بعد موته , وعلى ظهره كتاب في موضع كأنه من جلده , ليس بسواد { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } [ مسند ابن الجعد 1916 ]
[ هذا من عظيم بشرى المؤمن ]

47-  { وخلق الإنسان ضعيفاً } قال الإمام سفيان : النساء , المرأة تمر بالرجل فلا يملك نفسه عن النظر إليها , وإن كان هو لا ينتفع منها بشيء , فأي شيء أضعف من هذا ؟! [ حلية الأولياء – ترجمته ]
[ في قول الله عزوجل :{ وخلق الإنسان ضعيفاً }
قال التابعي الجليل طاووس :[ ضعيف في أمر النساء لا يصبر عنهن , ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمور النساء ]
وقال الحافظ وكيع بن الجراح : [ النساء يذهب عقله عندهن ]
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد التحذير فقال : [ ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء ]
وقال : [ اتقوا الدنيا ، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ]
ومن نظر في حال الدنيا اليوم من تمكين الاختلاط والدعوة إليه وظهور النساء في الشاشات والبرامج والأسواق والمناداة الشديدة بذلك
علم يقينا أن الداعي لهذا أولا هو الشيطان ومن تبعه وأطاعة من أعوانه وخدمه
فإن هذا باب الخراب والدمار للنساء قبل الرجال
فلا تستقر أسرة ولا ينظف مجتمع ولا يشبع الرجل بأهله ولا تشبع المرأة بزوجها
وتبقى الحياة تعيسة كل منهما يقارن الآخر بصورة في رأسه رآها في عمل أو سوق أو شاشة
وهذا والله أعلم من أسرار استقرار الأسر قديما وإن كانوا أميين
 فكل طرف يقدر حاجته للطرف الآخر وليس هناك ما يشغل قلبه عنه ولا من يقارنه فيه إلا بالحالات القليلة
مع ضيق العيش وصعوبة جمع تكاليف الزواج
واليوم كل ما ابتعد المسلم عن الفتنة وأسبابها قربوها وسهلوها له مع التركيز على أمر النساء كما نشاهد اليوم في إعلان إطارات نساء وفي الرياضة نساء وفي إعلان السيارات نساء !
فما علاقة النساء بالسيارات والإطارات ومواد البناء والبنوك  ؟!!
فلو لم تكن فتنة والنساء عندهم سلعة يبتاعونها ويروجون بها بضائعهم  فلم ينتشر هذا بين الناس ؟!
ولماذا يضعون فتيات في قمة التبرج والسفور في كل إعلان ؟!
فلا تكاد تسلم عين ولا يكاد يسلم قلب من هذه السهام
وقد قال الإمام أحمد : [ لعل الرجل ينظر النظرة فيحبط عمله ] !
فمن زرع هذا في رؤوس الناس علم يقينا أن هذا باب عظيم من أبواب خراب القلوب والمجتمعات وبخرابها يهدم الدين وحامل الدين والله المستعان
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم ويجعلنا ممن تغمدهم برحمة منه وفضل ]
48- قال يحيى بن يمان  : ما رأيت مثل سفيان , ولا رأى سفيان مثل نفسه
أقبلت عليه الدنيا , فصرف وجهه عنها [ مسند ابن الجعد 1766 ]

49- قال الإمام سفيان : ما من شيء أحب إلي من صحبة فتى , ولا أبغض إلي من صحبة قاريء [ مسند ابن الجعد 1834 ]
[ مراده والله أعلم أن صحبة الفتى المتواضع الذي يريد الخير والفائدة المقبل على التعلم والدين بقلب سليم خلي من الشبهات والتحزبات وغير ذلك فصحبته مفيدة للطرفين له ولمعلمه
وأما بعض القراء فصحبتهم متعبة ويكون عند بعضهم داء الكبر ومحبة الجدل والانتصار وما شابه ذلك نسأل الله أن يرحمنا ويغفر لنا ]
50- قال الإمام سفيان : يكره النقش والتزويق في المساجد , وكل ما تزين به المسجد
ويقال : إنما عمارته بذكر الله عزوجل [ شرح البخاري لابن رجب 2 / 367 ] [ صح هذا المعنى عن غيره كثير ]

51- { قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى }
قال سفيان : هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يعني عباده الذين اصطفى )
[ تفسير الطبري 18 / 99 ]
[ هذا ليس حصراً للآية فيهم وإنما الإخبار بأنهم رأس هذا الأمر , ومن اختاره الله عزوجل لصحبة أحب الخلق وأكرمهم عليه
هم رأس الأولياء والمصطفين بلا شك
 كما قال أبو العالية والحسن البصري في قوله تعالى { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } قالوا: النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ]

52- قال الإمام سفيان : من أكل الجري , ومسح على الخفين , وسلم منه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , فهو بريء من الأهواء [ مسند ابن الجعد 1877 ]
[ هذه من علامات الرافضة آنذاك , الجري نوع من السمك يحرمونه ولا يرون المسح ولا يسلم منهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكان في وقته من كان كذلك رافضي ومن لم يكن فهو سني وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان , ففي البصرة انتشرت بدعة القدر , وفي الشام النصب وهكذا ]
53- قال أبو نعيم [ في الحلية 7 / 19 ] :  حدثنا أبو بكر محمد بن نصر ثنا حاجب بن دكين ثنا محمد بن إدريس ثنا أبو صالح الأحول ثنا أبو أحمد الزبيري قال :
 كتب بعض إخوان سفيان إلى سفيان أن عظني وأوجز .
فكتب إليه سفيان  : بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك من السوء كله .
يا أخي إن الدنيا غمها لا يفنى وفرحها لا يدوم وفكرها لا ينقضي اعمل لنفسك حتى تنجو ولا تتوان فتعطب , والسلام .
54- قال أبو نعيم [ في الحلية 7 / 22 ] :  حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي ثنا عبد الله بن جابر الطرسوسي ثنا عبد الله بن خبيق ثنا عبد الله بن السندي قال :  كتب مبارك بن سعيد إلى أخيه سفيان يشكو إليه ذهاب بصره . , فكتب إليه سفيان الثوري أما بعد فأحسن القيام على عيالك وليكن ذكر الموت من بالك , والسلام
(*) حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا عبد الله بن جابر ثنا عبد الله بن خبيق ثنا عبد الله بن السندي قال :
 كتب مبارك إلى أخيه سفيان يشكو إليه ذهاب بصره .
فكتب إليه يا أخي فهمت كتابك تذكر فيه شكايتك ربك اذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك .
والسلام .
( * ) وقال ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل : حَدثنا أَبي، حَدثنا علي بن محمد الطنافسي، قال: سَمِعتُ أَخي الحسن يذكر قال: كتب مبارك بن سَعيد أَخو سُفيان إلى سُفيان يشكو إِليه ذهاب بصره
قال فكتب إِليه سُفيان أتاني كتابك تكثر شكاتك لربك فاذكر الموت يهون عليك ذهاب بصرك.

55- قال أبو نعيم [ في الحلية  7 / 49 ] :  حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن وسليمان بن أحمد قالا ثنا بشر بن موسى ثنا عبد الله بن صالح العجلي ثنا مبارك بن سعيد قال : كتب سفيان إليّ :
 أما بعد : فأحسن القيام على عيالك  وليكن الموت من بالك  , والسلام .
56- قال ابن بطة [ في الإبانة  1898 ] :  حدثني أبو بكر محمد بن أيوب بن المعافى البزاز قال : حدثني أبو الحسن الصوفي ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، قال : كتب أبو داود الديلي إلى سفيان الثوري :
 أما بعد ، فما تقول في رب قدر علي هداي وعصمتي وإرشادي فخذلني وأضلني ، وحرمني الصواب وأوجب علي العقاب ، وأنزلني دار العذاب ، أعدل علي هذا الرب أم جار ؟
 قال : فكتب إليه سفيان : أما بعد ،  فإن كنت تزعم أن العصمة والتوفيق والإرشاد وجب لك على الله فمنعك ذلك ، فقد ظلمك ومحال أن يظلم الله عز وجل أحدا .
 وإن كنت تزعم أن ذلك من فضل الله ، فإن فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم .

57- قال الإمام أحمد [ في العلل برواية عبد الله - 451 ] :  حَدثنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان قَالَ :
كتب سُفْيَان يَعْنِي الثَّوْريّ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ يُقَال :  أغبط الْحَيّ بِمَا يغبط بِهِ الْأَمْوَات .
[ يعني اغبط الناس إذا عملوا العمل الصالح الذي يغبط من عمله ممن مات ]
58- قال ابن أبي حاتم [ في تقدمة الجرح والتعديل  ] : حَدثنا إِسماعيل بن إِسرائيل السلال، حَدثنا الفريابي قال: كتب سُفيان بن سعيد إلى عباد بن عباد فقال: من سُفيان بن سعيد إلى عباد بن عباد، سلام عليك فإِني أَحمد إليك الله الذي لا إله إِلاَّ هو؛ أما بعد.
 فإِني أوصيك بتقوى الله، فإِن اتقيت الله عز وجل كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئًا.
 سألت أَن أكتب إليك كتابًا أصف لك فيه خلالا تصحب بها أهل زمانك وتؤدي إِليهم ما يحق لهم عليك، وتسأل الله عز وجل الذي لك.
 وقد سألت عن أَمر جسيم، الناظرون فيه اليوم المقيمون به قليل، بل لاَ أعلمُ مكان أحد، وكيف يستطاع ذلك؟
 وقد كدر هذا الزمان، أَنه ليشتبه الحق والباطل، ولا ينجو من شره إِلاَّ من دعا بدعاء الغريق.
 فهل تعلم مكان أحد هكذا ؟ وكان يقال : يوشك أَن يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حكيم.
 فعليك بتقوى الله عز وجل والزم العزلة واشتغل بنفسك واستأنس بكتاب الله عز وجل، واحذر الأمراء، وعليك بالفقراء والمساكين والدنو منهم.
 فان استطعت أَن تأمر بخير في رفق فإِن قبل منك حمدت الله عز وجل، وإن رد عليك أقبلت على نفسك فإِن لك فيها شغلا.
 واحذر المنزلة وحبها فإِن الزهد فيها أشد من الزهد في الدنيا.
 وبلغني أَن أَصحاب محمد صَلى الله عَليه وسَلم كانوا يتعوذون أَن يدركوا هذا الزمان وكان لهم من العلم ما ليس لنا، فكيف بنا حين أدركنا على قلة علم وبصر وقلة صبر وقلة أعوان على الخير مع كدر من الزمان وفساد من الناس ؟
 وعليك بالأمر الأول والتمسك به .
وعليك بالخمول فإِن هذا زمان خمول .
وعليك بالعزلة وقلة مخالطة الناس فان عُمر بن الخطاب، رَضي الله عَنهُ قال: إياكم والطمع، فإِن الطمع فقر، واليأس غنى، وفي العزلة راحة من خلاط السوء.
 وكان سَعيد بن المُسيَّب يقول: العزلة عبادة.
 وكان الناس إِذا التقوا انتفع بعضهم ببعض ، فأما اليوم فقد ذهب ذلك والنجاة في تركهم فيما نرى.
 وإياك والأمراء والدنو منهم وأن تخالطهم في شيء من الأَشياء، وإياك أَن تخدع، فيقال لك: تشفع فترد عن مظلوم، أَو مظلمة، فإِن تلك خدعة إبليس وإنما اتخذها فجار القراء سلماً.
 وكان يقال: اتقوا فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر، فإِن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
 وما كفيت المسألة والفتيا فاغتنم ذلك، ولا تنافسهم، وإياك أَن تكون ممن يحب أَن يعمل بقوله وينشر قوله، أَو يسمع منه.
 وإياك وحب الرياسة، فإِن من الناس من تكون الرياسة أحب إِليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إِلاَّ البصير من العلماء السماسمرة.
 واحذر الرئاء فإِن الرئاء أخفى من دبيب النمل. وَقال حُذيفة: سيأتي على الناس زمان يعرض على الرجل الخير والشر، فلا يدري أيما يركب.
 وقد ذكر عن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قَال: لا تزال يد الله عز وجل على هذه الأُمة وفي كنفه وفي جواره وجناحه، ما لم يمل قراؤهم إلى أمرائهم وما لم يبر خيارهم أشرارهم، وما لم يعظم أبرارهم فجارهم، فإذا فعلوا ذلك رفعها عنهم، وقذف في قلوبهم الرعب وأنزل بهم الفاقة وسلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب.
 وقال: إِذا كان ذلك لا يأتيهم أمر يضجون منه إِلاَّ أردفه بآخر يشغلهم عن ذلك، فليكن الموت من شأنك، ومن بالك، وأقل الأمل، وأكثر ذكر الموت، فإِنك إِن أكثرت ذكر الموت هان عليك أمر دنياك.
 وقال عُمر: أكثروا ذكر الموت، فإِنكم إِن ذكرتموه في كثير قلله، وإن ذكرتموه في قليل كثره، واعلموا أَنه قد حان للرجل يشتهي الموت.
 أعاذنا الله وإياك من المهالك، وسلك بنا وبك سبيل الطاعة.

59- قال البيهقي  [ في القضاء والقدر 560 ]  وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ مَرْدَوَيْهِ الْفَارِسِيُّ , نا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ , نا إِدْرِيسُ بْنُ مُوسَى الْمَنْبِجِيُّ , نا أَبِي , عَنْ جَدِّي , قَالَ:
 جَاءَتْ جَارِيَةٌ بِرُقْعَةٍ مَخْتُومَةٍ دَفَعَتْهَا إِلَى سُفْيَانَ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ فَفَضَّهَا وَقَرَأَهَا , فَإِذَا فِيهَا:
 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مِنْ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ الْأَوْدِيِّ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ , مَا تَقُولُ فِي رَبٍّ قَدِيرٍ قَدَرَ عَلَيَّ , وَقَدَرَ عَلَى إِرْشَادِي وَإِصْلَاحِي وَعِصْمَتِي وَتَوْفِيقِي فَمَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهِ وَحَجَبَنِي بِقُوَّتِهِ , وَقَدْ عَزَمَ عَلَيَّ أَنْ يُعَذِّبَنِيَ بِالنَّارِ , جَارَ عَلَيَّ أَمْ عَدَلَ؟
 فَكَتَبَ سُفْيَانُ:  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى , وَأَقَرَّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ رَبِّ الْعُلَى , إِنْ يَكُنِ الْإِيمَانُ وَالْإِرْشَادُ وَالْإِصْلَاحُ وَالْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ حَقًّا لَكَ عَلَى اللَّهِ لَازِمًا , وَدَيْنًا وَاجِبًا , فَمَنَعَكَ بِقُدْرَتِهِ , وَحَجَبَكَ بِقُوَّتِهِ مَا هُوَ لَكَ عَلَيْهِ , وَقَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يُعَذِّبَكَ بِالنَّارِ , قُلْنَا إِنَّهُ جَارَ عَلَيْكَ وَلَمْ يَعْدِلْ وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَجُورَ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ , أَوْ لَا يَعْدِلَ عَلَيْهِ , وَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ , فَاللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ , فَإِنْ يَكُنْ هَهُنَا حُجَّةٌ أَدْحَضْنَاهَا بِالْحَقِّ , وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
 قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ مُقِيمًا , وَأَنَّهُ فَوَّضَ الْأُمُورَ كُلَّهَا إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

60- قال ابن أبي حاتم [ في تقدمة الجرح والتعديل ص 86 ] :  ذكره أبي قال: كتب إلي عَبد الله بن خبيق الأنطاكي، قال: سَمِعتُ يوسف بن أسباط يقول:
 سَمِعتُ سُفيان الثَّوري يقول: أفضل الأعمال الزهد في الدنيا.
قال: وحَدثنا يوسف قال: كان سُفيان إِذا كتب إلى رجل، كتب:
 بسم الله الرَّحمن الرحيم، من سُفيان بن سَعيد إلى فلان بن فلان، سلام عليك، فإِني أَحمد إليك الله الذي لا إله إِلاَّ هو وَهو للحمد أهل، تبارك وتعالى له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ أما بعد :
فإِني أوصيك ونفسي بتقوى الله العظيم، فإِنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، جعلنا الله وإياك من المتقين.
 قال: وقال سُفيان: إِن دعاك هؤلاء الملوك تقرأ عليهم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلا تجئهم فان قربهم مفسدة للقلب.

61- قال يوسف بن أسباط :  أراد سليمان الخواص أَن يركب البحر
فقالوا له: لابد لنا من أمير ، فقال: أَنَا أميركم
 فبلغ ذلك سُفيان الثَّوري، فكتب إِليه: الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الدنيا .
 فلما قرأ الكتاب قال : لست لكم بأمير.[ تقدمة الجرح والتعديل ]

62- وقال ابن أبي حاتم : حَدثنا محمد بن مسلم حدثني أَبو الوليد قال كتب الثَّوري إلى عثمان بن زائدة: أما بعد السلام عليك قد كنت تذكر الري وفي الأَرض مسكة وقد هاج الفتن
 فانج بنفسك ثم انج , وقد قال النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم: إِن السعيد لمن جنب الفتن .

63- وقال ابن أبي حاتم : حدثني أَبي، حَدثنا علي بن ميسرة، قال: سَمِعتُ عَبد الله بن عيسَى، يَعني الوسواس، قَال: قال لي عثمان بن زائدة  كتب إلي سفيان: احذر الناس.
 قال فبعث عثمان بن زائدة إلى أبي وكان أدرك طاوُوسا:
 إِن سُفيان كتب إلي أَن احذر الناس فما معنى احذر الناس؟
قال احذر ما وراء جيبك
64- وقال : حَدثنا سهل بن يَحيَى العسكري، حَدثنا محمد بن عَبد المجيد حَدثنا عَبد الله بن المبارك قال كتب إلي سُفيان بن سعيد:  إلى عَبد الله ابن المبارك أما بعد فانشر في الناس مما علمك الله , وإياك والسلطان.
65- قال الحافظ عبد الرزاق : سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ:  سَلُونِي عَنِ الْقُرْآنِ فَإِنِّي بِهِ عَالِمٌ ، وَسَلُونِي عَنِ الْمَنَاسِكِ  فَإِنِّي بِهَا عَالِمٌ .
[ هذا مع ورعه الشديد في أمر الفتيا والتعليم كما تقدم لكنه بلغ في هذا العلم مبلغا كبيراً جعله يقول هذه الكلمة مع الثقة بالله عزوجل أن يوفقه للحق كما كان علي رضي الله عنه وهو من أورع الناس وأعلمهم يقول لأصحابه سلوني سلوني ]

66- قال الحافظ  أَبَو أُسَامَةَ قَالَ: اشْتَكَى سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ فَذَهَبْتُ بِمَائِهِ فِي قَارُورَةٍ
 فَأَرَيْتُهُ الدِّيرَانِيَّ فَنَظَرَ إِلَيْهِ , فَقَالَ: بَوْلُ مَنْ هَذَا ؟ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بَوْلَ رَاهِبٍ
 هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الْحُزْنُ كَبِدَهُ ، مَا لِهَذَا دَوَاءٌ [ مسند ابن الجعد 1085 ] [ الديراني طبيب نصراني ذكر اسمه في بعض الروايات , وكان سفيان شديد الحزن لما يحصل للمسلمين حتى أنه كان يقول : لو كنت لا أعلم لكان أقل لحزني ]

67- قال الإمام أحمد : كَتَبَ إِلَيَّ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:
 قَالَ لَنَا سُفْيَانُ: نَحْنُ الْيَوْمَ عَلَى الطَّرِيقِ. فَإِذَا رَأَيْتُمُونَا قَدْ أَخَذْنَا يَمِينًا وَشِمَالا فَلا تَقْتَدُوا بِنَا. [ أخبار الشيوخ وأخلاقهم للحافظ المروذي 99 ] [ وهذه وصية عظيمة من إمام راسخ عرف أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ]
68- قال الحافظ عبد الرحمن بن مهدي :  ربما كنا عند سُفيان فكأَنه قد أوقف للحساب فلا نجترئ نسأله عن شيء ,  فنعرض له بذكر الحديث فإذا جاء به الحديث ذهب ذلك الخشوع
 فإِنما هو: حَدثنا ..., حَدثنا...,  [ تقدمة الجرح والتعديل ]

69- قال حدثني عَبد العزيز بن أَبي عثمان :  أُصيب سُفيان بن سَعيد بأخ له يسمى عُمر، وكان مقدما، فلما سووا عليه قبره قال: رحمك الله يا أَخي إِن كنت لسليم الصدر للسلف، وإن كنت لتحب أَن تخفي علمك أي لا تحب الرياسة. [ مقدمة الجرح والتعديل ] [ كان سفيان يرجو له الجنة والنجاة بالزهد في الرئاسة وحبه السلف من الصحابة والتابعين وسلامة الصدر تجاههم فتأمل
وقال أبو داود السجستاني الإمام صاحب السنن : الشهوة الخفيَّة حُبُّ الرِّئاسة ( الطيوريات – تاريخ بغداد ترجمته )  ]
70- قال الحافظ وكيع :  كان سُفيان لا يعجبه هؤلاء الذين يفسرون السورة من أولها إلى آخرها مثل الكلبي. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ يعني الذين يفسرون القرآن سرداً بلا آثار وإسناد وهذا كرهه جماعة من الأئمة أو أنه أراد من يفسر القرآن كلمة , كلمة الواضح منه وغيره وإنما يفسر السياق ببعضه وينبه على غريب الكلمات وهذا يدل عليه قوله ( السورة من أولها  إلى آخرها )   , والله أعلم ]
71- قال أَبو الأَحوص، قال: سَمِعتُ سُفيان الثَّوري يقول: عليك بعمل الأبطال :  الاكتساب من الحلال ، والإنفاق على العيال. [ تقدمة الجرح والتعديل ] [ الاكتساب من الحلال عمل الأبطال ولا يحرص على الحلال ويتحراه إلا قلب عامر بالإيمان والإنفاق على العيال من أعظم الصدقات والقربات , وفي ذلك أحاديث وآثار كثيرة ]
72- قال أبو خالد الأحمر : صحبت سُفيان في طريق مكة
 فكان يقرأ في المصحف كل يوم فإذا لم يقرأ فيه فتحه فنظر فيه وأطبقه. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ يحرص على أن يكون له نظر في القرآن ولو قليلاً فسبحان الله ما أحرصهم وما أعظم فقههم ]
73- قال سفيان : أفضل الأعمال الزهد في الدنيا. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ لأنه إذا زهد في الدنيا أقبل على الآخرة
قال شيخ الإسلام : الزّهْد الْمَشْرُوع هُوَ ترك كل شَيْء لَا ينفع فِي الدَّار الْآخِرَة وثقة الْقلب بِمَا عِنْد الله كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي فِي التِّرْمِذِيّ لَيْسَ الزّهْد فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيم الْحَلَال وَلَا إضاعة المَال وَلَكِن الزّهْد أَن تكون بِمَا فِي يَد الله أوثق بِمَا فِي يدك وَأَن تكون فِي ثَوَاب الْمُصِيبَة إذا أصبت أَرغب مِنْك فِيهَا لَو أَنَّهَا بقيت لَك لِأَن الله تَعَالَى يَقُول لكيلا لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم فَهَذَا صفة الْقلب
وَأما فِي الظَّاهِر فَترك الفضول الَّتِي لَا يستعان بهَا على طَاعَة الله من مطعم وملبس وَمَال وَغير ذَلِك كَمَا قَالَ الإمام أَحْمد إنما هُوَ طَعَام دون طَعَام ولباس دون لِبَاس وصبر أَيَّام قَلَائِل زهد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجماع ذَلِك خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( رسالة في الزهد والورع ص 73 ) ]
74- قال يوسف بن أسباط : قال لي سُفيان الثَّوريّ: ناولني المطهرة أَتوضأ، ونحن في المسجد، فناولته فوضع يمينه على خده الأيمن ووضع يساره على خده الآخر ثم نمت أَنا فاستيقظت وقد طلع الفجر
 وهو على حاله فقلت يا أَبَا عَبد الله قد طلع الفجر
 فقال لي: ما زلت أفكر في أَمر الآخرة منذ ناولتني المطهرة إلى الساعة.[ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ قيل لأم الدرداء رحمها الله : مَا كَانَ أَفْضَلَ عَمَلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ؟
 قَالَتْ : التَّفَكُّرُ. (  مصنف ابن أبي شيبة 35729 )
قال ابن رجب الحنبلي :
كان السَّلف يفضلون التفكر عَلَى نوافل البدن. ورُوي ذلك عن الحسن وابن المسيب.
قال عمر بن عبد العزيز: "الفكر في نعم الله أفضل العبادة".
وقال عبد الله بن محمد التيمي: "أفضل النوافل طول الفكرة".
وكان أكثر عمل أبي الدرداء الاعتبار والتفكر.
وكلام الإمام أحمد يدل عَلَى مثل هذا أيضاً.
وقال ذو النون: تناول المعرفة بثلاث: "بالنظر في الأمور كيف دبرها، وفي المقادير كيف قدرها، وفي الخلائق كيف خلقها".
"وسئل أبو سليمان الداراني: بأي شيء تنال معرفة الله؟ قال: بطاعته.
قيل: فبأي شيء تنال طاعته؟ قال: به".
فكلما قويت معرفة العبد بالله قويت محبته له ومحبته لطاعته، وحصلت له لذة العبادة من الذكر وغيره عَلَى قدر ذلك ( مجموع رسائله3 / 315 ) ]

75- قال يوسف بن أسباط : سَمِعتُ سُفيان الثَّوري يقول:  إِذا أحب الرجل أخاه في الله عز وجل ثم أحدث حدثا في الإسلام فلم يبغضه عليه فلم يحبه في الله عز وجل .[ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ قال ابن رجب الحنبلي : الحب في الله والبغض في الله من أصول الإيمان ( مجموع الرسائل 302 )
وقال ابن القيم : وعلامة هَذَا الْحبّ والبغض فِي الله أَنه لَا يَنْقَلِب بغضه  ( لبغيض الله  ) حبا لإحسانه إِلَيْهِ وخدمته لَهُ وَقَضَاء حَوَائِجه
وَلَا يَنْقَلِب حبه ( لحبيب الله ) بغضا إِذا وصل إِلَيْهِ من جِهَته ما يكرههُ ويؤلمه
إِمَّا خطأ وَإِمَّا عمدا مُطيعًا لله فِيهِ أَو متأولا أَو مُجْتَهدا أَو بَاغِيا نازعا تَائِبًا ( الروح253 )
* ووجه هذا أنك إذا أحببته لله لأنه أطاعه , فإذا أحدث وابتدع وأغضب الله عزوجل وخالف رسوله فلم تبغضه وتنصحه وتشد على يده حتى يرجع فلم تحبه لله عزوجل ]

76- قال سفيان : إِن القراءة لا تصلح إِلاَّ بالزهد بالدنيا فازهد ونم وصل الخمس [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( يعني الإمام أحمد ) :  قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ كَيْفَ تَعْرِفُ الْعَالِمَ الصَّادِقَ ؟
 قَالَ :  الَّذِي يَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَيُقْبِلُ عَلَى آخِرَتِهِ
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: نَعَمْ هَكَذَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ. ( الآداب الشرعية لابن مفلح ) ]

77- قال الحافظ وكيع : سمعت سُفيان يقول:  لو أَن اليقين استقر في القلوب لطارت شوقا ، أَو حزنا ,  إما شوقا إلى الله عز وجل , وإما فرقا من النار. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ قال ابن القيم : الشوق إِلَى الله ولقائه , نسيم يهب على الْقلب يروح عَنهُ وهج الدُّنْيَا ( الفوائد )
وقال التابعي طاوس رحمه الله : بلغني أن النار حين خلقت كادت أفئدة الملائكة أن تطير , فلما خلق آدم سكنت ( جامع معمر 1512 )  ]

78- قال سفيان : كثرة الإخوان من سخافة الدين [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ قال الخطابي : فَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: كَثْرَةُ أَصْدِقَاءِ الْمَرْءِ مِنْ سَخَافَةِ دِينِهِ
يُرِيدُ أَنَّهُ مَا لَمْ يُدَاهِنْهُمْ وَلَمْ يُحَابِّهِمْ لَمْ يَكْثُرُوا
لِأَنَّ الْكَثْرَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي أَهْلِ الرِّيبَةِ
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صُلْبَ الدِّينِ لَمْ يَصْحَبْ إِلَّا الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ
وَفِيهِمْ قَالَ أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ:
لِكُلِّ امْرِئٍ شَكْلٌ مِنَ النَّاسِ مِثْلُهُ ... فَأَكْثَرُهُمْ شَكْلًا أَقَلُّهُمُ عَقْلَا
وَكُلُّ أُنَاسٍ آلِفُونَ لِشَكْلِهِمْ ... فَأَكْثَرُهُمْ عَقْلًا أَقَلُّهُمُ شَكْلَا ( كتاب العزلة ) ]

79- قال أَبو يزيد  عَبد الرَّحمن بن مصعب العابد : برز سُفيان الثَّوري على الناس لأنه كان صحيح الأديم بعيدا من الأهواء عابدا يقول الحق ويريده إِن شاء الله. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ صحيح الأديم : يعني الباطن القلب والبدن ]

80- قال الإمام عبد الله بن المبارك : أَخْبَرنا سُفيان قال كان يقال:
 ذكر الموت غنى ، وما أطاق أحد العبادة إِلاَّ بالخوف . [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لأبي حازم العابد : عِظْنِي يَا أَبَا حَازِمٍ
فقال :  اضْطَجِعْ ثُمَّ اجْعَلِ الْمَوْتَ عِنْدَ رَاسِكَ
 ثُمَّ انْظُرْ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ فِيهِ تِلْكَ السَّاعَةَ فَخُذْ فِيهِ الْآنَ
 وَمَا تَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِيكَ تِلْكَ السَّاعَةَ فَدَعْهُ الْآنَ. ( حلية الأولياء )
وقال الحسن البصري : مَا أَكْثَرَ عَبْدٌ ذِكْرَ الْمَوْتِ إِلاَّ رَأَى ذَلِكَ فِي عَمَلِهِ وَلاَ طَالَ أَمَلُ عَبْدٍ قَطُّ إِلاَّ أَسَاءَ الْعَمَلَ. (الزهد لأحمد - زوائد عبد الله )]

81- قال محمد بن يوسف :  كان سُفيان الثَّوري يقيمنا بالليل يقول: قوموا يا شباب صلوا ما دمتم شبابا. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ قال التابعي غنيم بن قيس : كُنَّا نَتَوَاعَظُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ : ابْنَ آدَمَ ، اعْمَلْ فِي فَرَاغِكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَفِي شَبَابِكَ لِكِبَرِكَ ، وَفِي صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَفِي دُنْيَاكَ لِآخِرَتِكَ ، وَفِي حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ( الجعديات 1451 ) ]

82- قال الحافظ عبد الرحمن بن مهدي : ما سمعت سُفيان يسب أحدًا من السلطان قط في شدته عليهم.  [ تقدمة الجرح والتعديل ]

83- قال الإمام سفيان : أَنَا في هذا الحديث منذ ستين سنة [ الجرح والتعديل 1 / 59  ]
[ يريد أنه في طلب الحديث والآثار من ستين سنة يعني من طفولته إلى أن شاب وهو طلب الحديث والآثار رحمه الله تعالى ورضي عنه ]

84- قال يحيى بن يمان : كان الفقراء هم الأمراء في مجلس سُفيان وما رأَيت الغني أذل منه في مجلس سفيان.[ تقدمة الجرح والتعديل ] [ في محبة الفقراء والزهاد والقرب منهم أحاديث وآثار , عمل بها سفيان رحمه الله تعالى وعمل بها الإمام أحمد رحمه الله ]

85- قال مروان بن معاوية : شهدت سُفيان الثَّوري وسألوه عن مسألة في الطلاق فسكت وقال: إِنما هي الفروج. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ مسائل الطلاق والنكاح مسائل تستحل بها الفروج وتحرم لذلك تورع عنها كثير من السلف ومنهم سفيان إلا أن يفتي بأثر عمن سبق
قال التابعي قتادة : الفريضة ثلث العلم , والطلاق ثلث العلم ( جامع معمر 1626 ) ]

86- قال ابن أبي حاتم :حَدثنا طاهر بن خالد بن نزار، قال: قال أَبي:  كثيرًا ما كنت أَسمع سُفيان الثَّوري يتمثل بهذين البيتين:
نروح ونغدو لحاجاتنا... وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته... وتبقى له حاجة ما بقي.
 [ هذه الأبيات من قصيدة للصلتان العبدي يوصي ابنه عمرا ومنها :
ألم تر لقمان وصى ابنه ... ووصيت عمراً فنعم الوصي
أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الغداة ومر العشي
إذا ليلة هرمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتي
نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي ]
( * ) وقال ابن أبي حاتم : حَدثنا أَبي، قال: سَمِعتُ أبَا نُعَيم عَبد الرَّحمن بن هانئ النخعي قال :
 كان سُفيان الثَّوري يتمثل بهذه الأبيات :
سيكفيك مما أغلق الباب دونه... وضن به الأقوام ملح وجردق
ونشرب من ماء الفرات ونغتدي... نعارض أَصحاب الثريد الملبق
تجشأ إِذا ماهم تجشوا كأنما... ظللت بألوان الخبيص تفتق. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ الجردق: الرغيف فارسي معرب. الثريد الملبق: الشديد التثريد الملين بالدسم. الخبيص : حلواء معروف تصنع من السمن والتمر. ]

87- قال أبو الأحوص : كنا عند سُفيان ومعنا شميط ( هو ابن عجلان تابعي زاهد )
 فقال سُفيان ذهب الناس وبقينا على حمر دبرة
فقال شميط يا أَبَا عَبد الله إِن كانت على الطريق ما أسرع ما نلحق.[ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ هذه الكلمة ومعناها رويت عن سفيان نفسه , وعن غيره أيضاً ]
88- قال سفيان : الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس العباء. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ قال الزاهد ابْنَ يَعْقُوبَ بْنِ الْفَرَجِيِّ :   اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الزُّهْدِ  فَقَالَ قَوْمٌ: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قِصَرُ الْأَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِمْ .( الزهد الكبير للبيهقي ) ]
89- قال ابن فضيل، قال: سَمِعتُ سُفيان يقول: السرائر، السرائر. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ السرائر هي الأعمال التي لا يطلع عليها إلا الله عزوجل
سواء كانت صالحة أم سيئة
قال صلى الله عليه وسلم في ذكر السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة :
وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ  , وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ( متفق عليه )
وقد تكلم فيها السلف من الجهتين بكلام كثير ووعظ عظيم :
قال التابعي المخبت تلميذ ابن مسعود الربيع بن خثيم رحمه الله :
السَّرَائِرَ السَّرَائِرَ اللاَّتِي يَخْفَيْنَ عَلَى النَّاسِ وَهِيَ عِنْدَ اللَّهِ بِوَادٍ
قَالَ: وَيَقُولُ: الْتَمِسُوا دَوَاءَهُنَّ , ثُمَّ يَقُولُ: وَمَا دَوَاؤُهُنَّ أَنْ تَتُوبَ ثُمَّ لاَ تَعُودَ. .( الزهد لأحمد / زوائد عبد الله )
وقال الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير :مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ تَكُونَ، لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ  ( الزهد لأحمد )
وقال شيخ الإسلام : فَإِذَا حَسُنَتْ السَّرَائِرُ أَصْلَحَ اللَّهُ الظَّوَاهِرَ . فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ( مجموع الفتاوى )
قال ابن حبان في ( روضة العقلاء )  :
قطب الطاعات للمرء في الدنيا هو إصلاح السرائر وترك إفساد الضمائر
والواجب على العاقل الاهتمام بإصلاح سريرته والقيام بحراسة قلبه عند إقباله وإدباره وحركته وسكونه لأن تكدر الأوقات وتنغص اللذات لا يكون إلا عند فساده ]
90- قال يحيى بن يمان : سَمِعتُ سُفيان الثَّوري يقول: إِنما مثل الدنيا مثل رغيف عليه عسل ، مر به ذباب فقطع جناحه , ومثل رغيف يابس مر به فلم يصبه شيء. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ هذا من بليغ الأمثال فالعسل طيب في الظاهر ولكن الذباب أو النحل إذا مر به التصق فمات وأما الرغيف اليابس فليس بطيب في الظاهر ولكنه لا يضر أحداً مر به فمعناه أن من اغتر بالدنيا وحلاوتها واجتهد في طلبها وآثرها عن الآخرة , وشغلته عن دينه هلك
ومن عرفها حق المعرفة وأنها زائلة , شغل بالآخرة فنجا ]

91- قال سفيان : أُدخِلْتُ على أبي جعفر بمنى فقلتُ له: اتق الله فإِنَّمَا أنزلت هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا، حج عُمر بن الخطاب فما أنفق إِلاَّ خمسة عشر دينارا وكان ينزل تحت الشجر
 فقال لي فإِنَّمَا تريد أَن أكون مثلك؟
 قال: قلتُ: لا تكن مثلي، ولكن كن دون ما أَنت فيه وفوق ما أَنَا فيه.
فقال لي: أخرج. (بلغ هذا الحديث بشر بن الحارث الحافي الزاهد الإمام فكتبه وقال : لقد أبلغ ) [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ هذا من عظيم الفقه والموعظة والاستدلال , وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر أما من يدخل ليمدح ويسكت فلا هو متبع للسلف ولا يعرف طريقهم أبداً وقد كان الأئمة يفخرون ويمدحون مثل حال سفيان والإفريقي والعمري لشدتهم على السلاطين نصحاً لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وخوفا على المسلمين من التقحم في البدعة والمعاصي والكبائر حتى إذا قيل لهم قالوا كان العلماء متوافرون ولا ينكرون هذا !  ويراجع لتحرير هذه المسألة كتاب ( أخبار الشيوخ وأخلاقهم للحافظ المروذي ) ]

92- قال الإمام عبد الله بن المبارك : كنت أقعد إلى سُفيان الثَّوري فيحدث فأَقول ما بقي من علمه شيء إِلاَّ وقد سمعته، ثم أقعد عنده مجلسا آخر فيحدث فأَقول: ما سمعت من علمه شيئًا.[ تقدمة الجرح والتعديل ] [ هذا من عظيم علمه وقد عقد ابن أبي حاتم في ترجمته من كتاب الجرح والتعديل في ذلك فصلا مستقلا فراجعه ]

93- قال الحافظ عبد الرحمن بن مهدي : كان سُفيان يأخذ المصحف فلا يكاد يمر بآية إِلاَّ فسرها فربما مر بالآية فيقول أي شيء عندك في هذه ؟
 فأَقول ما عندي فيها شيء، فيقول: تضيع مثل هذه لا يكون عندك فيها شيء. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
[ يعني عندك فيها أثر ؟ ]

94- قال حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ قَالَ:  دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَلَى مُجَمِّعِ التَّيْمِيِّ
قَالَ: فَإِذَا فِي إِزَارِ سُفْيَانَ خَرْقٌ، قَالَ فَأَخَذَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَنَاوَلَ سُفْيَانَ فَقَالَ: اشْتَرِ إِزَارًا .
قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَحْتَاجُ إِلَيْهَا، قَالَ مُجَمِّعٌ: صَدَقْتَ أَنْتَ لَا تَحْتَاجُ وَلَكِنْ أَنَا أَحْتَاجُ
قَالَ: فَأَخَذَهَا فَاشْتَرَى بِهَا إِزَارًا قَالَ: فَكَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: كَسَانِي مُجَمِّعٌ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا
وَقَالَ سُفْيَانُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِي أَرْجُو أَنْ لَا يَشُوبَهُ شَيْءٌ كَحُبِّي مُجَمِّعًا التَّيْمِيَّ [ الزهد لأحمد 2235 ]
[ مجمع التيمي رجل صالح من الزهاد ليس بكثير الرواية وهذه حال الصالحين
كما كان الإمام أحمد يحب معروفا الكرخي وبشر الحافي والصالحين وله أصحاب صالحين كثر وإن كان في الفقه والرواية هو أعلم منهم بكثير
كذلك كان الصالحون والإمام سفيان من رؤوسهم
وقد كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يذكر بعض الصحابة الذين استشهدوا ويقول هم خير مني ويذكر زهدهم وتقللهم ]
95- قال سفيان : أُؤمر بالمعروف في رفق ، فإِن قبل منك حمدت الله عز وجل.
 وإلا أقبلت على نفسك فإِن لك في نفسك شغلا.
 وكان الناس إِذا التقوا انتفعوا بعضهم ببعض، فأما اليوم فالنجاة في تركهم. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
96- قال محمد بن يزيد بن خنيس : كان سفيان الثوري يقول كثيرا اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشيدا يعز فيه وليك ويذل فيه عدوك ويعمل فيه بطاعتك ورضاك
 ثم يتنفس ويقول كم من مؤمن قد مات بغيظه... [ حلية الأولياء ترجمة سفيان ]
[ هذا الدعاء ورد عن غيره أيضاً وفيه : يذل فيه عدوك , وليس : يذل فيه أهل معصيتك كما حرفه كثير من الناس اليوم , وكل الناس يعصون , لذلك كان السلف أحرص في الكلام والألفاظ ممن جاء بعدهم فتأمل ]
97- قال الإمام سفيان : أخبرني رجل من الصالحين قال :
 رأيت في منامي عجوزا شمطاء عليها من كل حلية فقلت من أنت  ؟
فقالت  أنا الدنيا
فقلت أعوذ بالله من شرك .
فقالت إن أردت أن يعيذك الله من شري فأبغض الدينار والدرهم  [ حلية الأولياء – ترجمته ]
[ قال ابن أبي شيبة في المصنف [  31158 ]  حدثنا هاشم بن القاسم , قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن العلاء بن زياد العدوي ، قال : رأيت في النوم كأني أرى عجوزا كبيرة عوراء العين والأخرى قد كادت تذهب عليها من الزبرجد ، ومن الحلية شيء عجب ، قال : قلت : ما أنت ؟ قالت : الدنيا ، قلت : أعوذ بالله من شرك ، قالت : إن سرك أن يعيذك الله من شري فأبغض الدرهم. ]
98- قال الحافظ الفريابي : سمعت الأوزاعي وسفيان الثوري يقولان :  لما ألقي دنيال مع السباع في الجب قال إلهي بالعار والخزي الذي أصبنا سلطت علينا من لا يعرفك  [ حلية الأولياء ت سفيان ]
[ دانيال هو أحد أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام ويبدو أنه ابتلي ببلاء عظيم ]

99- قال ابن خنيس : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَدَخَلْنَا نَعُودُهُ ( يعني وهو مريض )
 فَقَالَ لِسَعِيدِ بْنِ حَسَّانَ الْمَخْزُومِيِّ: كَيْفَ الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثْتَنِي؟
قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ صَالِحٍ ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
[ كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ، إِلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى ]
 فَقَالَ رَجُلٌ لِسُفْيَانَ: مَا أَشَدَّ هَذَا الْحَدِيثِ.
 قَالَ سُفْيَانُ: وَمَا شِدَّتُهُ ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ، إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}
 وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
 وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}
 وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا}
وَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا كَلَامُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، الَّذِي جَاءَ بِهِ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ الزهد لأحمد 123 ]
[ هذا أثر جليل وفيه عميق فقه سفيان ونزعه من كتاب الله عزوجل لما جاءت به السنة وهذا لا يكون إلا لعالم بالسنة عالم بالقرآن  , فقد ذكر الآيات التي فيها أن الله لا يقبل من الكلام إلا الصواب الذي يرتضيه ولا يقبل الباطل
 وفيه قوله أن القرآن كلام الله عزوجل ]


100- قال جرير بن حازم يرثي سفيان رحمه الله تعالى
لقد مات سُفيان حميدا مبرزا... على كل قار هجنته المطامع
يلوذ بأبواب الملوك بنية... مبهرجة والزي فيه التواضع
يشمر عن ساقيه والرأس فوقه... مبركة فيها اللصيص المخادع
جعلتم فداء للذي صان دينه... وفر به حتى حوته المضاجع
على غير ذنب كان إِلاَّ تنزها... عن الناس حتى أدركته المصارع
بعيد من أبواب الملوك مجانبا... وإن طلبوه لم تنله الأصابع
فعيني على سُفيان تبكي حزينة... شجاها طريد نازح الدار شاسع
يقلب طرفا لا يرى عند رأسه... قريبا حميما أوجعته الفواجع
على مثله تبكي العيون لفقده... على واصل الأرحام والخلق واسع
فجعنا به حبرا فقيها مُؤَدِّبًا... بفقه جميع الناس قصد الشرائع. [ تقدمة الجرح والتعديل ]
تم هذا الجزء , أسأل الله العلي العظيم أن يجعله لوجه خالصاً وأن ينفع به الإسلام والمسلمين , وأن يحشرنا مع هؤلاء الصالحين بمنه وكرمه ومغفرة منه وفضل ...

وكتب
عبد الله بن سليمان التميمي
عفا الله عنه وعن والديه وجعله من عباده الصالحين


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |