خطبة ( 4 ) : تزوج فإن الرزق بيد الله عزوجل ...

خطبة : تزوج فإن الرزق بيد الله عزوجل

الحمد لله { الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}الحمد لله كثير النعم , واهب الخيرات
أحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب سبحانه ويرضى
وأشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وزوجاته وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد :
فقد امتن الله عزوجل على عباده بأن خلقهم فأحسن خلقهم وجعل لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة وجعل منهم زوجين اثنين : ليسكن كل منهما إلى الآخر , ولكي يخلق من هذين الزوجين رجالاً كثيراً يعبدونه ويوحدونه ونساء وغير ذلك من حكمة الله عزوجل في خلقه وتقديره
وجعل هذه المنة والنعمة من آياته الدالة عليه الموجبة للتفكر والتأمل فيها
قال عزوجل ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
فجعل الله عزوجل المودة والرحمة بين الزوجين والسكن لكي يطمئن كل منهما بالآخر ويأنس كل منهما بالآخر وجعل هذه النعمة آية لمن يتفكر في خلق الله عزوجل وعظيم تدبيره لخلقه , بل قال تعالى  ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ فجعل الزوجين أحدها للآخر كاللباس القريب الذي يحمي ويستر
ولأهمية النكاح والزواج بين بني آدم أنزل الله عزوجل به الآيات الكثيرة وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بحديث كثير

فمن ذلك ذكر ما حرم منه وما أحل ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ... ﴾ الآيات

وذكر عدد الزوجات  ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا

وذكر الخطبة ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ...
وذكر العقد الذي بينهما فقال   ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
وذكر الآيات في العِشرة والطلاق والنكاح والسكن والنفقات والميراث والنشوز والشجار الذي يحصل بين الزوجين , والتحكيم بينهما والنفقات وما يتبع ذلك من أحكام الرضاع و غير ذلك في آيات كثيرة

كل ذلك تأكيداً على أهمية أمر الزواج وأنه سبيل تكوين الأسرة والتي منها يخرج الصالحون والموحدون وهي نواة بناء المجتمع كما هو معلوم

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل  : [ تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ ] رواه البخاري

وقال صلى الله عليه وسلم : [ تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم ] رواه النسائي وأحمد وغيرهما

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ] متفق عليه
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً أكثر من أن تسرد هاهنا
وأراد عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن لا يتزوج بعد النبي صلى الله عليه و سلم
فقالت حفصة ( أخته أم المؤمنين رضي الله عنهم ) :   [ أي أخي تزوج , فإن ولد لك فمات كان لك فرطا , وإن بقي دعا لك بخير ] وهذا من عظيم فقهها رضي الله عنها

وقال التابعي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ  [ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ تَزَوَّجْتَ  ؟ قُلْتُ :  لَا  . , قَالَ :  فَتَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً  ] ( يعني النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري

وقال التابعي طاووس : [ لاَ يَتِمُّ نُسُكُ الشَّابِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ ]

مراده رحمه الله أن الإنسان إذا لم يكن عنده ما يكفيه ويعف فرجه وبصره أنقص ذلك من دينه وشغله عنه
هذا وفي هذه الأزمنة انتشرت الشهوات وسهلت , بل وأصبحت المجاهرة بها مما لا يستطاع دفعه إلا بمكابرة الحس والواقع
فالازم في هذه الأزمنة بالذات المسارعة في أمر الزواج
والواجب على أهل الرجل والمرأة التيسير في التكاليف والمهور والإعانة لهم لا إثقالهم بما لا طاقة لهم به
قال الفاروق عمر رضي الله عنه :   [ لا تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ كَانَ أَوْلاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ ]
فهذا يا راعاكم الله في المهر الذي هو واجب لا يتخلف أبداً , فكيف بالكمالات والأمور التي هي من باب الرفاهيات والأمور الجانبية , فكيف بما يدخل في الإسراف والتبذير ؟!
نسأل الله عزوجل أن يلهمنا رشدنا ويحفظنا , والحمد لله رب العالمين


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الخلق أجمعين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين
أما بعد :
فمن أكثر ما يصد الناس عن الزواج , مخافة الفقر وقلة المال سواء على الزوجة أو الأولاد فيما  بعد
والواجب على الزوجين تقدير ذلك أولاً , وقد قيل [ ما عال من اقتصد ] أي من اقتصد في ماله وأكله وشربه ما احتاج إلى سؤال أحد
فالواجب الاعتدال في الأمور كلها  , وعدم اللجوء إلى ما حرم الله على عباده ولا التفكير فيه , كالقروض الروبية المحرمة , فإنها حرب من الله لا طاقة لأحد بها نعوذ بالله من الخذلان
وهذا من أسباب خراب البيوت وهدمها بأن تبنى على أساس محرم فاسد وكل ما نبت من سحت فالنار أولى به عياذا بالله من النار
فالواجب تحري الاعتدال والقصد في التكاليف من أول المهر إلى آخر ما يؤتى به
وقبل ذلك سؤال الله عزوجل ودعاءه والتوكل عليه فإنه أساس النجاح والفلاح
وقد قال تعالى {  نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ  } وقال : {  نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ }
هذا وعد الله عزوجل ومن أوفى بعهده من الله
والفقر وعد الشيطان أخزاه الله وأمركم أن لا تطيعوه ولا تصدقوه { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا } نعوذ بالله من أن نصدق وعد الشيطان ونكذب بوعد الله جل وعلا
قال التابعي إبراهيم النخعي : [ تزوج فإن الذي كَانَ يرزقها في بيتها هو يرزقها ويرزقك في بيتك ]

وقال واصل، مولى أبي عيينة قال: [ دخلت على محمد بن سيرين ( التابعي الجليل )
 فقال لي : هل تزوجت ؟
 قلت : لا ، قال: وما يمنعك؟
قلت : قلة الشيء ( يعني المال )
 قال: تزوج عبد الله بن محمد بن سيرين ولا شيء له , فرزقه الله. ]

وسئل الإمام أحمد عن رجل يعمل خياطاً وليس يتحصل إلا على قوته فقال :  [  يقدم على التَّزْوِيج فَإِن الله يَأْتِي برزقها
وَقَالَ ويتزوج ويستقرض أَيْضا
وَإِن كَانَ عِنْده مِائَتَا دِرْهَم تبلغه الْحَج وَخَافَ على نَفسه الْفِتْنَة أَمرته أَن يتَزَوَّج وَلَا يحجّ ]

ومما يذكر من أسباب عدم الزواج أو الفرقة والطلاق كثر المشاكل والخلافات
وفيه توجيه نبوي شريف عظيم
قال صلى الله عليه وسلم : [ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خير وقال في رواية : وكسرها طلاقها ]

وقال صلى الله عليه وسلم : [ لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخر ] رواه مسلم

وعليه أن يختار معدن من يتزوج منه روى التابعي طاووس عن بعض الصالحين أنه قال : [ وَإِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَزَوَّجْ فِي مَعْدِنٍ صَالِحٍ ]

وأقام الإمام أحمد مع زوجته أم صالح عشرين سنة فما اختلف هو وهي في كلمة وذلك بتوفيق الله عزوجل
والخلافات قد تحصل في كل بيت وقد آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نساءه شهراً لم يقرب واحدة منهن
والواجب العمل بوصية رسول الله إن كره منها خلقاً رضي منها بآخر وتذكر بأنها خلقت من ضلع
مع اختيار المعدن الصالح والاقتصاد والاعتدال في التكاليف مع بنيان البيت من حلال وخير
فهذا كله موجب لنزول البركة وقوة البنيان , فإن لم يكتب الله ذلك فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان , ولا تنسوا الفضل بينكم
[ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللهِ ( بن مسعود رضي الله عنه )  يُقَالُ لَهُ أَبُو جَرِيرٍ
 فَقَالَ: إنِّي تَزَوَّجْتُ جَارِيَةً شَابَّةً وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَفْرَكَنِي ( يعني تتركني ) ؟
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إنَّ الإِلْفَ مِنَ اللهِ وَالْفَرْكَ مِنَ الشَّيْطَانِ، يُرِيدُ أَنْ يُكَرِّهَ إلَيْكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ.
فَإِذَا أَتَتْك فَمُرْهَا فَلْتُصَلِّ خلفك رَكْعَتَيْنِ.
زاد في رواية : وَقُلِ: اللَّهُمَّ، بَارِكْ لِي فِي أَهْلِي، وَبَارِكْ لَهُمْ فِيَّ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مِنْهُمْ، وَارْزُقْهُمْ مِنِّي.
اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا مَا جَمَعْتَ إِلَى خَيْرٍ، وَفَرِّقْ بَيْنَنَا إِذَا فَرَّقْتَ إِلَى خَيْرٍ ]

اللهم اجعل لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين
اللهم بارك لنا في أهلنا وبارك لأهلنا فينا
اللهم ارزقنا منهم وارزقهم منا واجمع بيننا على خير يا رب العالمين
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم ارزقنا الزوجة والذرية الصالحة التي تحثنا على الخير والطاعة
اللهم استر عورات المسلمين
اللهم نسألك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وغمومنا
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
سبحانك اللهم ما أعظمك وما أحلمك أنت الغفور وأنت الرحيم وأنت القادر بيدك الخير كله وبيدك خزائن السموات والأرض
اللهم ارزقنا من عندك علما نافعاً وعملاً صالحاً متقبلا ورزقا طيبا حسنا
اللهم واجعل لنا ذرية يوحدونك ويعبدونك وحدك لا شريك لك
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لمدونة عبد الله بن سليمان التميمي ©2013-2014 | |